تاونات.. غياب مجلس جماعة بوعروس عن لقاء العامل مع ممثلي الساكنة، عجز في التمثيلية أم هروب من المسؤولية؟
عادل عزيزي
بمقر عمالة تاونات، يوم الاثنين 22 شتنبر الجاري، اجتمع عامل إقليم تاونات، مع لجنة ممثلة عن ساكنة جماعة بوعروس بعد المسيرة التي نظمتها في اتجاه ولاية جهة فاس مكناس، مشهد عادي في زمن الحراك الاجتماعي الذي يعيشه الإقليم، لكن غير العادي، بل “الفضيحة” الصريحة، هو غياب المجلس الجماعي، الذي من المفترض أنه وجد أصلا ليكون جسر التواصل بين الدولة والمواطنين.
أي مفارقة هذه؟ ممثلو المصالح الخارجية والسلطات المحلية، جاؤوا يجلسون إلى طاولة الحوار، بينما المجلس المنتخب، “الناطق الرسمي” باسم الساكنة، غاب عن الحضور، وكأننا أمام مسرحية، الجمهور في القاعة، الممثلون الرسميون على الخشبة، لكن بطل العرض مفقود!
حين يحضر ممثل الصحة لشرح وضعية المستشفى، ويأتي ممثل التعليم للحديث عن المدارس، وممثل الماء للحديث عن العطش، وممثل التجهيز للحديث عن الطرق، فذلك طبيعي، لكن حين يغيب المجلس، فذلك إعلان رسمي عن فشله، لأن المجلس ليس قطاعا تقنيا، بل هو المؤسسة التي يفترض أن تجمع كل هذه المطالب في ملف واحد، وتدافع عنه بجرأة أمام السلطة
السؤال الذي يفرض نفسه، أين اختبأ المجلس؟ هل خشي مواجهة ساكنته التي تعرفه أكثر من أي أحد آخر؟ أم أنه أدرك أن حضوره سيكون فضيحة أكبر من غيابه؟ في كلتا الحالتين، الرسالة التي التقطها المواطنون واضحة، المجلس لم يعد وسيطا، بل صار عائقا، غياب المجلس هنا ليس مجرد هفوة بروتوكولية، بل هو شهادة إدانة سياسية، شهادة تقول إن المنتخبين الذين ملأوا الدنيا وعودا أيام الانتخابات، لم يعد لهم أي دور؟
المفارقة المؤلمة أن اللجنة الممثلة للساكنة، المكونة من مواطنين بسطاء، كانت أكثر قدرة على لعب دور الوسيط من مؤسسة كاملة بميزانية ومكاتب ومقر رسمي، وهذا في حد ذاته عنوان للإفلاس، إفلاس المجالس المنتخبة، وإفلاس الديمقراطية المحلية.
بوعروس لم تكشف فقط عن غياب مجلسها، بل وضعت اليد على جرح عميق، المجالس المنتخبة، التي لا تحضر إلا عندما يتعلق الأمر بالصفقات أو المصادقة على الميزانيات، بينما تختفي في لحظات الحسم، وبذلك، فقدت شرعيتها الواقعية، مهما كانت شرعيتها الانتخابية.
لقد حضر ممثلو المصالح الخارجية ليؤكدوا أن الحكومة “على علتها” ما زالت تتفاعل مع مطالب المواطنين، أما المجلس الجماعي فقد غاب ليؤكد أن المنتخبين صاروا عبئا على الديمقراطية أكثر من كونهم أداة لخدمتها.
المجلس الذي يفترض أنه يملك شرعية الصندوق، وشرعية التمثيل، غاب وكأنه لا يعنيه الأمر، وكأن الساكنة لا تنتمي إلى ترابه، وكأن مطالب الماء والطريق والمدرسة لا تدخل ضمن صلاحياته، غياب لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين، إما أن المجلس خائف من مواجهة ناخبيه، أو أنه ببساطة عاجز عن تمثيلهم، وفضل أن يتوارى تاركا الساحة لمن يملك الشجاعة والجرأة.
إن غياب المجلس عن لقاء العامل ليس مجرد حادث “بروتوكولي”، بل فضيحة سياسية وأخلاقية، فضيحة تؤكد أن الديمقراطية المحلية التي نرددها في الخطب ليست سوى واجهة هشة، تنهار عند أول اختبار، فحين يعجز المنتخب عن الدفاع عن مطالب من انتخبوه، يصبح وجوده عبئا لا قيمة له.
إن ما وقع في يوم الاثنين ليس سوى انعكاس مصغر لأزمة وطنية أوسع، أزمة الوساطة، أزمة الثقة، وأزمة النخب المحلية التي تفترض فيها خدمة المواطن، لكنها في الواقع تكتفي بمراكمة الامتيازات وترك الساكنة تواجه مصيرها.