تاونات.. الساعات الإضافية ابتزاز وجحيم يشوي الجيوب.

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 

عادل عزيزي

في البداية أتقدم بالتحية والتقدير إلى كل رجال ونساء التعليم، أصحاب الضمائر الحية الذين همهم الوحيد هو إيصال رسالتهم والقيام بواجبهم على أكمل وجه، والذين مهما قلت عنهم فلن أوفيهم حقهم، فلهم منا كل الاحترام والتقدير.

 

أصبحت الساعات الإضافية تقريبا قاعدة لا استثناء، و أصبحت أوقات فراغ بعض الأساتذة مملوءة عن آخرها، و انصب اهتمام البعض منهم في غالب الأحيان على عدد الحصص الإضافية و مردوديتها، و تحويل الفصل الدراسي بسبب هذا الوضع المختل إلى فضاء ملائم لاستقطاب المزيد من المنخرطين في اللعبة، بل هناك من يلجأ منهم إلى أسلوب الابتزاز لإرغام التلاميذ على دروس الدعم عنده أو حصولهم على نقاط متردية، و إلى جحيم يومي بالنسبة لأبناء الفقراء والمهمشين الذين لا قدرة لهم على أداء واجبات هذه الفاتورة التي تجعل من المتعلم فردا محبوبا أو مذموما، و بين هذا الوضع و ذاك تجد المسؤولين غير قادرين على محاربة الظاهرة أو على الأقل تقنينها حتى لا يتعرض أبناء الفئات الهشة إلى الظلم.

لا نبالغ إن قلنا إن ظاهرة الساعات الإضافية قد أضحت في الآونة الأخيرة كابوسا رهيبا يلاحق التعليم ببلادنا في أحلامه كما في واقعه المر والمتردي، فلا حديث اليوم سوى عن الدروس الخصوصية التي تأصلت في مجتمعنا واستطاعت أن تضمن حقها في النفقات الشهرية للأسر المغربية، التي أصبحت تعلن حالة الطوارئ استعدادا لمواجهة مادية ونفسية مع انطلاق كل موسم دراسي ضد “شبح” التعليم بامتياز.

من خلال مناقشاتنا مع بعض التلاميذ وجدنا القلة منهم يتحدث عن لجوئه لهذه الساعات قصد تجاوز بعض المشاكل الدراسية المتمثلة في نقص المكتسبات أو عدم القدرة على الاستيعاب… في حين نجد من يتكلم عن خروقات خطيرة وسلوكيات تتنافى كليا مع الرسالة التربوية التعليمية النبيلة، أحدهم مثلا يؤكد بأنه وبمعية أصدقائه يلجؤون إلى الساعات الإضافية مرغمين لا مختارين، إما عن طريق التلميح أو الإشارة أو حتى الابتزاز من طرف بعض عديمي الضمير والأخلاق من نساء ورجال التعليم، فيما نجد آخرين يتذمرون من المقررات الدراسية الجديدة ويلمحون إلى صعوبة في فهم واستيعاب ما يأتي بين صفحاتها العريضة كما وثمنا، كما أن منهم من يعترف صراحة باعتماده الساعات الإضافية للحصول على نقاط مرتفعة.

بين هذا وذاك قد نقف وقفة تأمل صريح في مختلف هذه الاتجاهات لنجد أنفسنا بين متاهات عميقة نستشف من خلالها مدى تشعب هذه الظاهرة، بحيث هناك من يلوم رجل التعليم ويعتبره مجرد مصاص دماء يستغل تردي مستوى التعليم ببلادنا، وثمة من يلوم هذا التردي بعينه خاصة في خضم هذه الإصلاحات المتتالية والفاشلة التي مست نظام التعليم مع تعاقب أصحاب الحقيبة التعليمية، فيما فصيل آخر يصف هؤلاء “الأساتذة” بتجار الحروف الذين يعرضون سلعهم في البورصة التي تتزايد أسهمها يوما بعد آخر.

في المقابل، هناك من يحمل الأسر مسؤوليتها في تفشي هذه الظاهرة، تلك الأسر التي استسلمت لواقع التعليم المنهار ودفعت بأبنائها إلى المجهول، ليس جهلا وإنما خوفا مصحوبا بآمال واهية، لتساهم هي الأخرى، من حيث لا تدري، في تأزيم وضعية التعليم.

من جهة أخرى، نجد من الأساتذة من يتحفظ على الموضوع باعتباره الصواب في الخطأ في ظل الصورة التي أخذتها هذه الظاهرة.

في حين هناك من يدافع عنها ويصر عليها بداعي أنها تساهم في تحسين مردودية التلاميذ والارتقاء بقدراتهم التعليمية، وكأن بأيديهم عصا سحرية تظهر في الساعات الإضافية وتختفي بمجرد أن تطأ أقدامهم باب المدرسة العمومية.

ولعل واقع الحال يثبت لنا بأن ثمة أسرا تستفيق على خلافات يومية ونهار مشحون وتمسي على شخير جيوبها الفارغة التي لا تستطيع أن تتحمل المزيد من المتطلبات الاجتماعية أو النفقات الزائدة والتي أثقلت كاهلها وأنبتت الشيب في رؤوسها.

هذا مجرد غيض من فيض قد نستشف من خلاله مدى خطورة هذه الظاهرة لندق ناقوس الخطر ونطلق صفارات الإنذار، إننا لسنا بحاجة إلى خطابات الجودة الفارغة ولا إلى قناصين جدد من أجل فضح ما يدور في دهاليز التعليم من تجاوزات في حق أبنائنا وبناتنا، وللأسف الشديد فالتعليم ببلادنا هو بحاجة لزخم هائل من المضادات الحيوية كي يسترجع، ولو نسبيا، مناعته الذاتية في وجه من يعتبرون أنفسهم أهل الحل والعقد الذين ما لبثوا يفرغون مكبوتا تهم المصلحية الضيقة في جسم التعليم الذي بات غير قادر على تحمل المزيد من الأزمات.

 

ليبقى السؤال من المسؤول الحقيقي، هل آباء وأولياء التلاميذ الذين يكرسون هذا الوضع أم التلميذ أم الأستاذ أم يسبب المنظومة ككل…؟؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.