موسم مولاي بوعزة.. إشراقة صوفية في قلب الأطلس تُنير دروب السعادة الإنسانية

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 

– مراسلة خنيفرة محمد المالكي.

في أجواء روحانية عامرة بالإيمان، احتضنت بلدة مولاي بوعزة بإقليم خنيفرة ندوة علمية متميزة، ضمن فعاليات الموسم الديني السنوي للولي الصالح الشيخ أبي يعزى يلنور، حملت عنوانًا بليغًا: “التصوف المغربي ثابت ديني أثيل وإشعاع روحي وصيل”. وجاءت هذه الندوة لتبرز عمق الأثر الذي تركه التصوف المغربي في تشكيل الوجدان الروحي والإنساني للمغاربة، من خلال سيرة أحد أعلامه الكبار.

الندوة، التي نظمها المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، جمعت ثلة من الأكاديميين والباحثين ورؤساء المجالس العلمية، بحضور عامل الإقليم السيد محمد عادل إهوران وشخصيات علمية ومدنية وأمنية، شكلت منصة علمية رصينة لمدارسة دور التربية الصوفية في تحقيق السعادة الإنسانية، وتسليط الضوء على منهج أهل السلوك في تهذيب النفس وتزكيتها.

وقف الحاضرون عند سيرة الشيخ أبي يعزى يلنور، الذي عاش أكثر من قرن وثلاثين عامًا في جبل إيروجان، حيث يرقد ضريحه اليوم بمدينة مولاي بوعزة، كرمز متجذر للتصوف السني المعتدل. وقد بيّن المتدخلون كيف أسهم الشيخ في تربية أجيال من السالكين على قيم المحبة، والزهد، ومجاهدة النفس، مما جعله مرجعًا روحيًا خالد الأثر في تاريخ المغرب الروحي.

وتناول المشاركون أهمية التصوف المغربي، باعتباره نهجًا تربويًا لا يكتفي بالوعظ والإرشاد، بل يسعى إلى بناء الإنسان على أسس من الرحمة والتسامح، ويُعلي من القيم الإنسانية كالحكمة، والإيثار، والصفاء الداخلي، ما يجعل من التربية الصوفية سبيلًا لتحقيق السعادة الحقيقية.

الندوة لم تكن سوى إحدى محطات موسم غني بالفعاليات، انطلق بداية الأسبوع الجاري تحت شعار: “هوية ثقافية وثوابت روحية ووطنية متجذرة”. وقد شمل البرنامج، إلى جانب الجانب العلمي، تنظيم ليالٍ للمديح والسماع، وختم السلك القرآنية، ومعرضًا للمنتوجات المجالية، فضلاً عن عروض للفروسية التقليدية، وحملة نظافة، وسباق رياضي يحمل اسم الشيخ، لفائدة تلاميذ المؤسسات التعليمية.

كما شهد الموسم زيارة رسمية لضريح الولي الصالح أبي يعزى يلنور، حيث رفعت الأكف بالدعاء لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، وكذا ترحما على روحي الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، تغمدهما الله بواسع رحمته.

لا يُعدّ هذا الموسم مجرد تظاهرة دينية، بل تحول على مر السنوات إلى رافعة للتنمية المحلية، ومحرك لحركية اقتصادية وتجارية ملموسة، تسهم في إنعاش الدخل المحلي، وتعزيز الانتماء الثقافي والروحي للمنطقة. فهو احتفاء بالتراث الصوفي المغربي، وتجسيد حي للهوية الدينية المتوازنة، التي كانت دائمًا مصدر إشعاع داخلي وخارجي.

في مولاي بوعزة، بين جبال الأطلس المتوسط، يتجدد اللقاء سنويًا مع روحانية لا تغيب، ومع رموز زرعوا في الناس الإيمان والصفاء، وتركوا بصمات لا تُنسى في مسيرة التصوف المغربي الأصيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.