قد ترتقي فضاءاتنا حين تجد من يقرأ صمتك!؟
ذ بوناصر المصطفى
تمنيت أن أنشء في الفضاء الأزرق أو في غيره من المواقع المنتشرة كالرماد في الهشيم، ركنا خاصا نلتهم فيه المعارف نتبادل الأفكار نتلقن أصول الصواب ونحترم ثقافة الاختلاف، نفسح المجال لتمارين السؤال كي نعيد لقيم الإنسان سيادته بعد طغيان الروبوتات والذكاء الصناعي، فلنبن فضاء مسيجا لا يدخله إلا من له تأشيرة العبور نحو ضفاف كون خارج أرض ضاقت بالبشر، حيث نتبادل روح السلام بلغة لا جدال فيها هناك نتجاوز النقاش الافتراضي نحافظ على الانضباط لمعايير تفرض عدم الإفراط في السجال ونقاش رزين وبشروط تقتضي الكشف عن هوياتنا المعرفية وتوجهاتنا الثقافية والفكرية دون مسخ لخصوصياتنا الجندرية، هكذا نفلح في أن نبني في هذا الفضاء ميثاق يرفع أسهم الاحترام وأدب الحوار عبر هذا التواصل الكوني.
خاب أملنا في حلم تحول كابوسا في غياب الميثاق شرع المجال بدون قيد ولا شرط، قمة العبث والهزل حين غابت عن كل دروب السكينة والحميمية، فاختلط في أسواقها الحابل بالنابل، وسقطت المعرفة في فخ تداول السخافة، صعد الأمي المنبر والجاهل ارتفعت أسهمه ليجادل العالم، منابر وصفحات تتمطط تضاهي كل المواقع الرسمية مجتمعة بطغيان كيانات مثيرة للشفقة تثقن الاستفزاز، واثقة من جماجمها الفارغة ورؤوس لا يستفيد منها سوى الحلاقون.
أتى هذا الزمن لتنحر فيه بالعنف لغة الضاد يعسر نطقها، أما في البناء والإعراب فحدث ولا حرج، انتعشت محلها لهجات واختزالات غريبة لن تتجانس حتى إكراها، ولغات دخيلة تتوارثها عقول فجة تمرنت على اختزال النطق بالأرقام، هكذا تنسف القيم والمبادئ بحرية الاختيار، لتطلق العنان لكلام بذيء وصور خليعة تبرئت منها حتى قنوات الصرف الصحي.
لم يعد عملة الجد قابلة للصرف والتداول بل صار الافتراء والبهتان سهام في بورصة قيم هذه الفضاءات، حيث استثمرت لغة الفوتوشوب كأداة لمسخ الجميل وتمجيد القبيح بل وتجمل الفاسد وتنمق مظهره، مجال يعلب فيه حسن الإصغاء لأنه مكلف فالإجابة محجوزة سلفا قبل الاستماع، والمعارضة جاهزة قبل الفهم، مادام الحكم في النهاية بدون علم.
من المسؤول؟ كلنا معنيون سواء كنت في الظل أو تحت الأضواء! فهذا الوضع يتطلب ما جميعا جهودا مكثفة وتعاونًا بين الحكومات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، لوضع قواعد تضبط المحتوى، وتوقف طوفان التفاهة من خلال تنفيذ استراتيجيات شاملة ومتعددة الجوانب، يمكن تحقيق بيئة رقمية أكثر أمانًا وتوازنًا بيئة مستعدة لخوض ركب ثورات رقمية متسارعة تدوس خطاك.
#هل من مبادرة لمحاصرة هذا المد المقلوب؟
# إلى أي حد تبقى جهود الدول والحكومات معنية باتخاذ خطوات لتنظيم المحتوى الرقمي؟
# وما السبيل لفرض الرقابة على نشر التفاهة على الإنترنت؟ أم يعتبرها البعض حرية الذوق والتعبير؟