المجالس الاستشارية وقياس الحكامة في صنع القرار السياسي
ذ. بوناصر المصطفى
كثيرة هي المجالس التي خلقت لتعلب دورا في تكريس الحكامة واقتراح حلول ناجعة وإبداء الرأي وتقديم التوصيات للحكومة والبرلمان، لكن من حقنا ان نضعها تحت مجهر التقييم لوزن مدى فعاليتها في التغيير وملامسة مردودتها في اصلاح اختلالات التدبير؟
فهل ملتمسات وتوصيات هذه المجالس تلقى آذانا صاغية؟
ما مدى مساهمتها في بلورة ووضع السياسات العمومية؟
لمادا لا تنفتح هده المجالس في وجه كفاءات علمية قد تكون إضافة علمية؟
أكيد أن الغرض من إنشاء هذه المجالس هو تكريس المشاركة والحكامة صنع القرار، إذ تعتبر بالضرورة أليات استشارية مهمة في تقويم وتحقيق إصلاحات في السياسات العمومية، لكن هناك عدة استفهامات حول فعاليتها وتأثيرها في صنع القرار العلمي المسؤول.
ربما تكون بعض المجالس قد حققت نتائج إيجابية بشكل متفاوت في مجالات معينة باستحضار وتفعيل عنصري الشفافية والمساءلة، إلا أنه بشكل عام تواجه جل المجالس صعوبات في التأثير الفعلي على السياسات الحكومية نتيجة تحديات تنظيمية وعوائق إدارية وبشرية تزكي غياب الإرادة في الإصلاح والتغيير.
بكل موضوعية لابد من قياس فعالية هده المجالس من خلال تحديد أهداف واضحة، واستخدام معايير متعددة للتحليل، بالإضافة إلى تطبيق أدوات جمع البيانات والتقييم. هذا سيمكن من تحسين الأداء وتعزيز تأثير المجالس في عملية صنع القرار.
إن الإرادة في تفعيل الشفافية وفرض وازن للمشاركة يقتضي وضع أهداف واضحة وتحديد معايير لقياس مدى تأثيرها على السياسات باعتماد أساليب الرصد في جمع البيانات، كاستطلاع الرأي، تحليل دقيق للتوصيات بمؤشراتها النوعية والكمية، إعداد تقارير دورية تنشر لعامة الناس لزيادة الشفافية.
فما الذي يمنع انفتاح هده المجالس على الكفاءات وإشراك مكاتب الدراسات الوطنية؟
لقد بات جليا أن تركيبة المجالس في صيغتها الحالية غالبا ما يتم تجاهل تلك التوصيات المقترحة وعدم اخدها بعين الاعتبار، أولا لأن الحكومة السياسة غير ملزمة بالاستجابة ووجوب اشراك هده آليات في صنع القرار، مما يكز في الدهن أن هذه المجالس ذات طابع شكلي مما يحد من تأثيرها الفعلي تحت تبرير عدم توافق التوصيات مع أولويات حكومية ملتزمة سياسيا تحت ضغوط معينة.
لذا تبقى الحاجة ماسة لتطوير آليات فعالة تضمن دمج التوصيات في عملية صنع السياسات العمومية ومراجعة تركيبة المجالس بفتحها أمام الكفاءات العلمية للاستفادة من خبراتها ولتعزيز فعاليتها حتى تضفي عليها القيمة العلمية.
من الطبيعي أن تكون فعالية هده المجالس وعلى رأسها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس الوسيط، ومجلس الجالية ..لها أدوار ثانوية في إبداء الرأي وتقديم التوصيات للحكومة والبرلمان وبالتالي تأثيرها في تصحيح المسار يبقى محدودا بالمقارنة مع الإمكانيات المالية والبشرية المرصودة لها.
للأسف من الصعب تقييم مردودية هذه المجالس، مادامت توصياتها لا تتجاوز الصبغة الاستشارية، تستأنس بها الحكومة في حالات شاذة، وأن أغلب توصياتها يتم تجاهلها مما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه المجالس وقدرتها على التأثير في صناعة القرار؟ حتى لا نضطر الى السؤال حول الجدوى من وجودها.
في اعتقادنا إن التدبير الجيد لهده المجالس الاستشارية يتطلب موارد مالية وبشرية لتسييرها، لكن من الواجب قياس هذه الموارد بمدى مردوديتها حتى نضمن أن هذه الأموال تستخدم بشكل رشيد وشفاف، كي تخضع لرقابة صارمة، وحتى لا تتحول هذه المجالس إلى مجرد هياكل بيروقراطية مكلفة.
وبالتالي تصبح عملية المراجعة لوظيفة هذه المجالس كي تقوم بدورها بشكل فعال وتساهم في تحسين السياسات العمومية تصبح ضرورة، ودلك بفتح العضوية في هذه المجالس لكفاءات علمية بشكل طوعي، إذ يمكن أن يساهم ذلك في إثراء النقاش وتقديم توصيات أكثر علمية وموضوعية واضافة نوعية.
لا ننسى أن عضوية هذه المجالس تتطلب تفرغا والتزاما، وهدا قد يستحيل معه العمل بشكل طوعي، لذا قد يكون من الأفضل الجمع بين العضوية الطوعية والمأجورة، مع إعطاء الأولوية للكفاءات العلمية المتميزة، مع ضمان تمثيل مختلف وجهات النظر.
لن نختلف في كون المجالس الاستشارية بالمغرب لها دورا مهم في تطوير السياسات العمومية، لكنها تحتاج إلى مراجعة هيكلية للرفع من الفعالية والتقييم المستمر، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كامل.
#فهل المجالس مستعدة لاستقبال الكفاءات الجديدة؟
#كيف يمكن تطبيق المعايير الجديدة على مؤسسات سياسية غير معنية بالشفافية؟