الهروب الجماعي إلى “الفردوس” الأوروبي..!!
عادل عزيزي
من النصوص التي كان يتم تلقينها لنا في المرحلة الابتدائية، قصة فاتح الأندلس القائد طارق بن زياد، وخطبته الشهيرة لما اجتاز الضفة الشمالية من البحر المتوسط، حيث أحرق أسطوله البحري، وألقى في جيشه كلمة لبث روح القتال فيهم والاستبسال حتى النصر وعدم التراجع، وخاطبهم بالقول “أيها الناس.. أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم”.
لم يكن أحد يظن أنه سيأتي زمن تسترشد فيه الأجيال القادمة بطارق بن زياد، لتستحضر كلماته التاريخية، و تستلهم منه طريقة عبوره لما وراء البحار لكن هذه المرة ليس للفتح بل للفرار و الهروب من الوطن.
ما حدث من نزوح أو هروب جماعي بشكل غير مسبوق نحو ثغر سبتة المحتلة، هو مشهد قد يدينه البعض وقد يتقبله البعض الآخر، وقد يتفاعل معه البعض الثالث إيجابا، خاصة الفئات الحالمة بالهجرة نحو سبتة المحتلة ومن خلالها نحو إسبانيا وبلدان الجوار الأوروبي.
لكن وبعيدا عن لغة العواطف الجياشة والمواقف الغارقة في الحماسة، يصعب فهم أو تفهم الوضع القائم، دون ربطه بسياقه العام، وهو سياق تختزل صوره في ما وصلت إليه البلاد مع حكومة عزيز أخنوش من غلاء المعيشة و ارتفاع نسب البطالة و الفقر، حيث يعاني الوطن من معدلات بطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب وعدم توفر فرص عمل كافية وملائمة تدفع العديد من الشباب للبحث عن وظائف في الخارج، حتى لو كانت بطرق غير شرعية.
الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي يعيشها المغاربة عامة، أصبحت تلعب دوراً كبيراً في دفع الشباب للهجرة وتجعله أيضا بيئة خصبة للانحراف وغياب الذهن والانتقال إلى حالة اللاوعي وهنا ندق ناقوس الخطر.
إن التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد أدت إلى تراجع مستوى المعيشة وزيادة الفقر و البطالة، مما يجعل الهجرة خيارا مغريا للشباب الباحثين عن حياة أفضل و مستقبل زاهر و هذا حسب ظنهم يتواجد ما وراء البحار.
إن الهجرة لشبابنا ليست مجرد قضية اقتصادية أو اجتماعية، بل هي مؤشر على الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية وشاملة وعاجلة، يجب على الحكومة العمل عليها لخلق بيئة تعزز من فرص الشباب وتمنحهم الأمل بمستقبل أفضل.
الأمل ليس مجرد حلم بعيد، بل هو واقع يمكن تحقيقه من خلال التكاتف والعمل الجاد، إن مستقبل الشباب هو مستقبل الوطن، ويجب أن يكون الجميع ملتزمين بتحقيق هذا المستقبل المزدهر.
إن هذا الهروب أو الفرار الجماعي إلى المجهول يسائل عجز الحكومة عن إيجاد بدائل حقيقية لهذه الطاقات الشابة، مما يدفعها إلى خيار ركوب أمواج البحر وتعريض أرواحها للموت المحقق في سبيل البحث عن لقمة العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
اختار الإعلام لسنوات خلت مصطلح “الهجرة السرية” للحديث عن الآلاف من الذين اختاروا عبور البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن مستقبل أفضل، بيد أنه سرعان ما عجز هذا المصطلح عن توصيف أعداد وحجم الهجرة المعلنة والمتدفقة صورها وأحداثها عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، حتى صارت أقرب إلى النزوح الجماعي إلى الفردوس الموعود.
المغامرة المجهولة عبر هذا النزوح الجماعي من الشباب والمراهقين، هي بمثابة مأساة تقدم نموذجا عن حجم اليأس القاتل الذي وصلته شرائح واسعة من المجتمع، وتتاجر فيه مافيات “الهجرة” التي تعد بإيصالهم إلى “جنة” الضفة المقابلة، ورغم كل السوء الذي مثلته تلك المشاهد، فقد شكلت الهجرة الجماعية مشهداً أكثر سوءاً، وخلّفت صدمة حتى لأشد المتشائمين.
فإذا كان طارق أحرق سفنه ليجعل همه الأوحد احتلال بلاد ما وراء البحر، فإن الشباب المهاجرين أحرقوا أوراق هوياتهم ليرحلوا إلى الشاطئ ذاته لينفضوا غبار الفقر و النسيان الذي يعانون منه في وطنهم، وإن لم يحرقوا زوارقهم الصغيرة المسماة بـ”قوارب الموت” لأن أعدادا كثيرة منهم تموت غرقا في لجة البحر قبل تحقيق أحلامهم.
فما حفظوه من خطبة طارق هو أن “أقوات” أوروبا “موفورة”، وعليهم أن يعلموا أن “انتهاز الفرصة لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت”، “واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا، استمتعتم بالأرفة الألذ طويلا”.