مسرحية بلا ستارة عنوانها “الإنجازات على الورق” 

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عادل عزيزي

لا أعتقد أن أحد من المسرحيين، مهما بلغت شهرته وحرفيته، ومهما أطلق نحل إبداعه ليسرح في حقول الإبهار ليأتي له بعسل الفكرة، ومهما حاول إشراك نجوم الكوميديا في أعماله، قادر على إضحاكنا كما تضحكنا حكومة الأحرار الموقرة.. بالمناسبة نحن لا نضحك على تسلسل الأحداث أو العبقرية في الطرح أو التميز في الإضحاك، نحن نضحك على سخف الأداء وسوء التنفيذ ورداءة الإخراج، باختصار نحن نضحك لأننا لا نفهم شيئاً..

ما يحدث في و طننا مع حكومة “الكفاءات” يشبه المسرح التجريبي، يركب الممثل على عصا ويقول عنها حصان، ثم يأكل الخشب على أنه خبز ويتزوّج شجرة، وينجب فردة حذاء، يركض ويعرق ويصرخ أمام الجمهور ويتكلم بلغة يعتقد كاتبها أنها فلسفية لكنها هروب من العقل على أقل تقدير، إضاءة حادة وموسيقى صاخبة ودخان ينطلق من فوهات صغيرة على الخشبة، الأطفال يرتعبون من المشهد والكبار يحسّون بضيق تنفّس وطاقم المسرحية يعتقد أنه يقدّم شيئاً مهماً.. ثم ينشغل النقاد في اليوم التالي في تحليل علمي وعملي لما رأوه، عاكفين على كتابة مادة حول المسرحية ثم يشتعل الجدل بين المهتمّين.. مع أنه في الواقع “حتى واحد مفاهم شي حاجة”!.

واحد من مشاهد مسرحية الحكومة.. ما قدمه رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمس الأربعاء على منصة مجلس النواب للرد على تساؤلات البرلمانيين في مناقشة حصيلة الحكومة في نصف ولايتها. 2021/2024.

لم تكُن تصريحات أخنوش المثيرة بشأن مباراة ريال مدريد الذي قلص بسببها مدة مداخلته من 3 ساعات و 38 دقيقة إلى 50 دقيقة وحدها الغريبة خلال هذه المسرحية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل حكومته، ذلك أنه اختار الدفاع عن حصيلة 30 شهرا الحكومي بـ”سبورات” استقدمها ليعرض منجزات حكومته وهو يصر على وصفها بـ”حكومة الإنجازات”، معتبرا أن مختلف الإجراءات التي اتخذتها كان لها أثر يومي، ملموس وإيجابي على المعيش اليومي للمغاربة، و بالمناسبة فأخنوش كان صادقا أمام النواب البرلمانيين فجميع إنجازاته الحكومية على الورق فقط أو في مخيلة أعضاء حزبه.

لاختصار الكلام ومنعاً للدخول في دهاليز فلسفية، أقول بأن أهم أسباب تأخر مجتمعاتنا تحولها لظاهرة كلامية، تحولت المجتمعات في أعمالها لمجرد صور وأخبار بعضها يتحدث عن مشاريع في العالم الافتراضي وآخر يتحدث عن إنجازات وهمية لا يتعدى مداها الخبر الذي يتحدث عنه أو تصريحات المسؤول الصادرة بإدراك منه أنه لن يسأل عما يقول وأنه لن يتابعه أحد.

السؤال هو بشأن التصريحات الصادرة عن عزيز اخنوش رئيس الحكومة و معه بعض وزراء حزبه و مسؤولين كبار في الحزب أو من يليهم في تراتبية الهياكل التنظيمية، كم عدد التصريحات التي تتحدث عن إنجازات لحكومته الغير مسبوقة؟! كم عدد التصريحات التي تتحدث عن تدشين مشاريع ضخمة أو مخططات رهيبة ستقفز بالبلد للواجهة؟! بل كم عدد الأخبار التي تكشف مضامينها وصورها المرفقة عن نية واضحة لتلميع هذا المسؤول أو إبراز صورة هذا الوزير؟!

السؤال المحوري هنا، كم من هذه التصريحات والأخبار التي تعكس حقيقة الواقع الفعلي؟! كم منها صادق وكم منها يورد فقط كمساحيق تجميل تجمل فترة المسؤول وتلمعه؟!

لو قمنا بجرد سريع وبسيط لتصريحات عديد من المسؤولين بشأن الإنجازات والمشاريع ومقارنتها بحقيقة تحققها على أرض الواقع لهالتنا النتيجة و لوجدناهاوعلى الورق أو في مخيلة البعض فقط!

الأوضاع في البلد باتت لا تتحمل مزيداً من “التخدير الكلامي” عبر تصريحات مسؤولين لا يتضح أن الهدف منها شيء يخالف رغبة التلميع والمفاخرة بحراك غير فاعل أو وعود وكشف عن مشاريع ليست موجودة على الورق فقط أو في مخيلات أعضاء حزبه.

لدينا مسؤولون محترفون في “الانجازات الورقية”، نسمع ما يقولون ونقرأ ما ينشرون فنظن أننا في مقدمة ركب الدول المتطورة، بينما الحقيقة أننا متقدمون عنهم بسنوات ضوئية في بيع “الوهم” وتسويقه على الناس.

طبعاً، يرافق هذا العرض المستمر منزوع الستارة.. إضاءة حادة وموسيقى صاخبة ودخان ينطلق من فوهات صغيرة على خشبة الحمامة.. وينشغل المحللون السياسيون بممارسة مهنة التحليل لشيء لا أحد يستطيع أن يفهمه أو يحلله حتى الممثلون أنفسهم.

عرض تجريبي غير مفهوم “قدمه رئيس الحكومة” بلا ستارة تخفي عيوبه أو تخبئ يد المخرج الهاوي الذي يدير الأحداث بتخبط وجنون ومزاجية ولا يملك “نَصّ النهاية”.

لكن أكثر ما يحزنني أن يبقى الجمهور المغربي -كما دائماً- الوحيد الذي يدفع ثمن الحضور.. ولا يستمتع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.