تاونات.. أيادي خفية تعرقل الاستثمار و التنمية المحلية
عادل عزيزي
تضمن الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، محورين أساسين، تعلق الأول بإشكالية الماء، وما تفرضه من تحديات آنية ومستقبلية، بينما ركز الخطاب في محوره الثاني على المداخل الأساسية من أجل تحقيق نقلة نوعية، في مجال النهوض بالاستثمار بالمغرب.
وإذا كان تركيز صاحب الجلالة في الجزء الأول من خطابه على إشكالية قلة الماء بالمغرب، بسبب بخل السماء نتيجة للتغيرات المناخية التي يعرفها العالم، يجد أهميته في ضرورة استعداد المغرب لمواجهة تداعيات الجفاف استعدادا جيدا، حدده الخطاب الملكي في ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستثنائية، التي تفرض التعامل مع إشكالية الماء في كل أبعادها بالشكل الجدي المطلوب، فإن تركيزه في المحور الثاني من هذا الخطاب على كيفية تعزيز الاستثمار بالمغرب، يجد أهميته في الارتباط الوثيق بين التشجيع على الاستثمار وبين إنعاش الاقتصاد الوطني وبالتالي بينه وبين عملية تحقيق التنمية، والتي تعتبر رهانا أساسيا من بين جملة الرهانات المطروحة على المغرب.
من دون شك أن الحديث عن الاستثمار و التنمية المحلية بإقليم تاونات.. موضوع ذو شجون، ولاسيما بتشخيص وضع هذا الإقليم الذي يعيش لسنوات جمودا وفرملة واضحة في مختلف المجالات المرتبطة خاصة ما يهم الدينامية السوسيو-اقتصادية، و استثمار المؤهلات الاقتصادية وفرص الاستثمار في القطاعات الإنتاجية لإقليم الشجرتين المباركتين التين و الزيتون، حسب متخصصين اقتصاديين وذوي الخبرة تاونات من الإقاليم القادرة على تحقيق إقلاع تنموي حقيقي، لو كانت الإرادات الحقيقية لبلورة حلم ساكنة للتقدم وانجاز مشاريع اجتماعية واقتصادية قادرة على خلق رواج اقتصادي يخلص الساكنة من التهميش و الفقر التي ترزح تحت نيره غالبية مواطني الإقليم..
يتساءل العديد من مواطني تاونات وزوراه، لماذا هذا الإقليم مهمش؟، لا مشاريع، لا تنمية، رغم موقعه الجغرافي المتميز و هل حقا يرفض المستثمرين الاستثمار فيه؟
فالبعض يعتبر أن الإقليم لا يصلح للاستثمار بالرغم من موقعه، فيما يعتبره البعض الآخر مقبرة للمستثمرين.. وقصص كثيرة لهؤلاء الذين يقصدونا من أجل فتح مقاولاتهم و مشاريعهم، قاسمهم المشترك هو الهروب بعدما اصطدموا بمجموعة من العراقيل البيروقراطية “الإدارية المقصودة” و التي تهدف لكسر شوكتهم و دفعهم للتراجع و الهروب من الإقليم.
و يرى مجموعة من المتتبعين للشأن المحلي للإقليم، أن حالة من التأخر وتوقف الزمن التنموي الاستثماري بتاونات، مَردُّه “لوبي خطير” أعلن لعقود سيطرته على دهاليز أصحاب القرار بالإقليم ،إما عن طريق البيروقراطية او عن طريق الانتفاع السياسي.
فكلما ولّت مقاولة استثمارية، وجهها صوب هذ الإقليم، إلا و تصطدم بعراقيل كثيرة من طرف الموجود تحت أيادي خفية خطيرة ترفض الاستثمار، و يكتفون بإعطاء رخص مشاريع بسيطة غير إنتاجية أغلبها عبارة عن مقاهي و متاجر.
هذه الأيادي الخفية المخترقة لجميع الإدارات التي تضع شروطا تعجيزية أمام المستثمرين و منهم بعض الفاعلين من أبناء الإقليم على قلتهم و الذين يعانون من هذا الوضع أيضا، وسبق لبعض المستثمرين أن انتقدوا بعض الشروط البيروقراطية الإدارية التي يعتبرونها مجحفة و غير مفهومة ولا أساس قانوني لها.
ذلك أن الحديث عن النهوض بالاستثمارات بإقليم تاونات، يعني وبشكل أساسي حديثا عن أهم مقومات ومداخل تحقيق التنمية، وانطلاقا من هذه الأهمية التي يكتسيها التشجيع على الاستثمار في تحقيق التنمية، يجعلنا نفكر في أساليب جديدة لتدبيره، حتى تتحقق الغاية منه، ومن هنا تكمن أهمية تخفيف مساطر الاستثمار و فتح مكتب داخل مقر العمالة يكون عملة تحت الإشراف المباشر للعامل، لتسهيل المساطر و خلق مناخ مناسب للمستثمرين، من خلال ما يضمنه كنظام إداري وكصورة مرنة للإدارة في ما يتعلق بالتشجيع على الاستثمار وخصوصا الاستثمار المحلي، وفي هذا الإطار تضمّن الخطاب الملكي دعوة مباشرة إلى ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، كركيزة أساسية في عملية التشجيع على الاستثمار بالبلد.
إن ربح رهان تحقيق التنمية بإقليم تاونات، يستوجب تدبير الاستثمار تدبيرا مرنا، وهو ما سار فيه المغرب بإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري، نص في الكثير من مقتضياته على تقاسم الاختصاصات بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة، حيث خص هذه الأخيرة بالاطلاع بالاختصاصات المرتبطة بتدبير المشاريع الاستثمارية على المستوى المحلي، وهو ما أكدت عليه اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري في تقريرها الصادر في يوليوز 2020، حيث جاء في أحد توصياتها أنه لابد من إيلاء العناية القصوى لمساطر الاستثمار والاختصاصات المتعلقة بها، وإدراجها ضمن الاختصاصات التي سيتم نقلها إلى المصالح اللاممركزة لا سيما على المستوى الجهوي.
ولعل أهم ما يمكن أن تباشره السلطات الإقليمية اليوم، التزاما بالتوجيهات الملكية، هو التعجيل بتعديل جميع النصوص التشريعية والتنظيمية، التي تضمن التفعيل الكامل لميثاق الاستثمار الجديد، الصادر، في دجنبر 2022، والذي تم تطبيق أول مراسيمه، في يناير المنصرم، خارطة الطريق الاستراتيجية لإعطاء نفس جديد للاستثمار، والإسراع في إحداث ” الشباك الوحيد” الخاص بالاستثمار، نظرا لأهمية هذه الشبابيك في ما يتعلق بتنسيق عمل مصالح الدولة على هذه المستوى الترابي.
رغم المكانة المحورية للاستثمار كمحرك أساسي للتنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والجمالية، ووسيلة فعالة لتوفير فرص الشغل يبقى غيابه الاستثمار والمصانع والمعامل بإقليم تاونات، من النقط السوداء والمثيرة للجدل لدى جميع الفعاليات المدنية والحقوقية والنقابية والسياسية ولدى ساكنة الإقليم من صغيرهم إلى كبيرهم.
لتبقى الأسئلة معلقة بدون أجوبة واضحة ومقنعة، لماذا إقليم تاونات، لازال يعاني من غياب الاستثمار، ومن يتحمل المسؤولية كاملة في جعل أغلب سكان الإقليم يعيشون تحت عتبة الفقر و الإقصاء والتهميش وغياب فرص الشغل، رغم موقعه الاستراتيجي وثرواته الغابوية والمائية و الفلاحية المهمة… ؟؟؟