مكناس والميلود يلاقيني باحبابي…طقوس ومعتقدات في انتظار بركة قد لاتاتي!
فلاش24 – محمد عبيد
كانت اشتهرت مدينة مكناس بمناسبة عيد المولدي النبوي الشريف بنوع خاص من الطقوس والعادات الدينية من طوائف صوفية تخلد بالمناسبة لموسم الولي الصالح الشيخ الكامل… فضلا عن قيام جلسات مدح وأذكار وتبادل للزيارات مع الأهل والأصحاب وحلويات تجهز للمناسبة، غير أن الحال يبدو مختلفا قليلا خلال السنوات الأخيرة.
فمكناس كانت أيام عيد المولد النبوي قبلة توافد عدد من الزوار سواء من القرى والمناطق القريبة منها او من مدن أخرى جل أهلها من الأطلس المتوسط (آزرو ،خنيفرة، مريرت، الحاجب ….) أو من منطقة الغرب(سيدي قاسم، سيدي يحيى الغرب، سوق أربعاء الغرب، بلقصيري…) فضلا عن استقبال الاسر لافراد من عأئلاتهم من خارج مكناس..
“الميلود يلاقيني باحبابي” عبارة كانت تردد ويتم تداولها بين المكناسيين كلما هلت أيام عيد المولد النبوي حيث تتحول العاصمة الإسماعيلية إلى قبلة لكل الأهل و الأقارب المتوافدين خارجها لظروف حياتية عملية بل لا تنحصر فقط بحلول عيد المولد النبوي استقطاب واستقبال شريحة من نوع خاص بالطقوس وبالعادات الدينية من طوائف صوفية تخلد بالمناسبة لموسم الولي الصالح الشيخ الكامل…
ومن أجل التلاقي أو التفرج الكل كان يضرب موعدا بفضاءات بمكناس (ضريح الشيخ الكامل، ساحة السوق الاسبوع سوق الاربعاء بمنطقة سيدي سعيد، بفضاء ساحة لالة الزويتينة بين حي بني امحمد وأحياء المدينة القديمة،…) .
ضريح الشيخ الكامل أو زاويته كانت منذ وفاته محطة بارزة في مكناس كلما حل عيد المولد النبوي الشريف للحفاظ على ما كان يقام في حيته من شعائر دينية حيث يحضر الفقهاء من كل حدب صوب لاستذكار المعرفة التي كان يتحلى بها الشيخ الكامل في أصول الدين والفقه والقيام بليالي صوفية ولتكون كذلك فرصة لإقامة الحفلات الطائفية إذ القوافل العيساوية كانت تجوب مختلف شوارع مدينة مكناس القديمة من باب الجديد وباب البرادعيين وشوارع وظهر السمن والروامزين، وساحة الهديم وشارع السكاكين في اتجاه باب الجديد وساحة ضريح الشيخ الكامل.
كما كانت أحيانا أخرى تطوف محيط الضريح في اتجاه سيدي سعيد وباب الخميس إلى ساحة زين العابدين فإلى ساحة الهديم …. هذه النقط التي تكون مكتظة بالزوار وبالمتفرجين إلى جانب فضاءات منتشرة هنا وهناك في مكناس الإسماعيلية (المدينة القديمة/سوق الأربعاء سابقا) وتنصب بها خيام إقامة المتوافدين الذين لا أقارب أو اسر لهم بمكناس والمرتبطين روحيا بشعائر وطقوس الموسم الخاص بالشيخ الكامل.
إذ كان لابد من الاستيقاظ باكرا كي يظفر المرء بمكان استراتيجي على طول مسار الطوايف بكل ألوان عيساوة وحمادشة وجيلالة وبوهالة وكل المجموعات الصوفية القادمة من تخوم البلاد البعيدة .. لعل طايفة “سحيم واولاد احمر” كانت هي أخطر مجموعة باعتبار طقوس الافتراس عندها، ولا تنافسها إلا طايفة “سيد المختار” وهم من يكرهون اللون الأسود.. وترى أياديهم مرتفعة تشير لأي شخص يلبس لباسا أسود أو أحمر، أظافر العجائز العيساويات الطويلة تثير التقزز وربما الرعب، كما شعورهن المنفوشة تجعلك تستحضر صورة عيشة قنديشة كما تمثلتها كل حالة خوف.
مواكب الحجاج العيساويين تتفاوت طبقاتها بما يظهر جليا في شكل الهدية التي سيقدمونها للزاوية، ولكل واحدة أعلامها ورموزها و”معلموها” الذين تتفاوت أناقتهم العيساوية وطبقاتهم الاجتماعية وكل هذا يلخصه الثور الهدية أو “الضروبة(العجل أو البقرة) التي تقدم لأولاد الشيخ الكامل عند بلوغ منتهى الموكب، وقد تكون الطائفة من المحظوظين ويتم ذبح ثورها مباشرة عند باب الضريح ليتم إطعام مئات وربما آلاف حجاج الضريح ممن يظلون ويبيتون لأيام متوالية داخل فضاءات ومسارب الضريح الداخلية بشكل غرائبي حقا حتى أنك تجد من يبيت الليل قاعدا من فرط الازدحام والكل لا يريد إلا بركات الشيخ الهادي بنعيسى سيد الزاوية وقطب الطائفة العيساوية.. ويكثرون من ترديد الشعائر الصوفية:
*“الله الله الدايم الله”…
*”عادَة عادَة عدَة عدَة عدَة”…
*”آ الهادي وغير هادي!”…
*”شايالاه الهادي بنعيسى… التسليم!!”.
هكذا كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في مكناس والتي كانت تعيش طقوسا صوفية متميزة فضلا عن تنظيم جلسات مدح وأذكار وتبادل للزيارات مع الأهل والأصحاب وحلويات تجهز للمناسبة..
إلا أن هذه الأجواء الروحانية بهذه المناسبة لم تفلت من انتقادات عابها البعض معتبرا إياها بطقوس للشعوذة، وبدعة وردة، سيما في ظاهرة دخول النساء خاصة منهم الوافدات من البوادي إلى الضريح، وقد انطلقن في العويل والصراخ في ما يشبه المأتم، وتبدأن في طلب للبركة من ولي الضريح لاعتقاد هن الكبير بان الولي الصالح سيتجيب لكثير من دعواتهن، من أجل الخلاص من المعاناة التي ترزحن تحت وطأتها”…فيما تتخذ بعضهن ركنا من أركان الضريح من أجل استكمال الجذبة، وانتظار “نزول بركة قد تأتي ولا تأتي..”.