خنيفرة – تقرير محمد المالكي .
في مشهد إنساني مؤثر، خرجت نساء دوار تلحيانت التابع لجماعة الهري بإقليم خنيفرة في مسيرة نسائية حاشدة، قطعن خلالها أكثر من 16 كيلومترا سيرا على الأقدام في تضاريس وعرة وتحت شمس حارقة، حاملات صرختهن البسيطة:
*بغينا غير الماء والطريق.*
النساء خرجن من عمق القرى الجبلية، حيث العزلة تحاصرهن من كل جانب، والطريق الوعرة تحرمهن من أبسط مقومات الحياة : الوصول إلى الطبيب، إلى المدرسة، وإلى نقطة ماء قريبة.
لكن الرحلة لم تخل من الألم ؛ فقد أصيبت إحدى المشاركات بوعكة صحية وسقطت مغمى عليها من شدة الإجهاد، بعد ساعات من المسير. وسارعت السلطات المحلية إلى التدخل ونقلها إلى المستشفى الإقليمي بخنيفرة لتلقي العلاجات الضرورية.
ورغم ذلك، لم تسقط الواقعة عزيمة بقية النساء، بل زادت من إصرارهن على إيصال صوتهن إلى المسؤولين وفتح مواجهة صريحة بين الساكنة والرئيس الجماعي، قصد كشف حقيقة الأوضاع التنموية المزرية التي تعيشها المنطقة.
إحدى السيدات عبرت بمرارة قائلة :
*ما بقيناش قادرين نتنقلو على الحمير… بغينا غير طريق وسيارة تسعفنا ملي يمرض شي حد.*
السلطات المحلية حاولت في البداية إيقاف المسيرة عبر إقامة أربع نقاط مراقبة أمنية، غير أن النساء أصررن على مواصلة الطريق نحو مقر العمالة، إلى أن تم الاتفاق في النهاية على اختيار عشر نساء ممثلات عن الساكنة لفتح حوار مباشر مع عامل الإقليم ، في خطوة وصفت بالإيجابية لبحث حلول ملموسة لمطالبهن.
ويزيد من معاناة المنطقة وجود مقالع على جنبات وادي سرو، حيث تشتغل الشاحنات والمعدات الثقيلة ليل نهار، مسببة تخريبا بيئيا خطيرا يطال الأشجار المثمرة وخاصة الزيتون، إلى جانب تهديد الفلاحة المعيشية التي تعد مصدر رزق السكان الوحيد.
ورغم بعض الإصلاحات المحدودة، ما تزال تلحيانت تعيش في تهميش مزمن، جعل ساكنتها تعتقد أن التنمية لا تصل إليهم إلا وعودا في المناسبات.
واختتمت المسيرة بتوقفٍ مؤقت في انتظار نتائج الحوار مع عامل الإقليم، وسط أمل كبير بأن تكون هذه الخطوة بداية تغيير حقيقي ينهي سنوات المعاناة، ويعيد لتلحيانت مكانتها وكرامتها.
*نطالب فقط بطريق تعبد بالعدالة قبل الزفت”