مقال رأي: الذباب الإلكتروني والعملية السياسية الموهومة: حين تتحول الانتخابات إلى ساحة لتصفية الحسابات

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 

فلاش24 – أحمد زعيم

 

مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، تتفاقم ظاهرة الذباب الإلكتروني، بأسماء وصفحات مستعارة، يُسخّرها بعض السياسيين كسلاح رقمي لتصفية خصومهم، ليس في إطار تنافس شريف، بل سعيا لضمان الفوز بأي وسيلة ممكنة، ولو على حساب القيم والأخلاق والمصلحة العامة. وفي ظل واقع يطبعه الإنقسام الحاد داخل المجتمع المدني، واستشراء الفساد الإداري والمالي، وتوالي حملات الاعتقال، وعزل المنتخبين، تتحول هذه المنصات إلى أدوات للتشهير والقذف والتضليل. يتم تضخيم “إنجازات” بعض المرشحين بشكل دعائي فجّ، بينما يُستهدف الآخرون بحملات مسعورة تطعن في الأعراض وتنشر الإشاعات. وعندما يصبح هذا “الذباب” مزعجا أكثر من اللازم، يُردّ عليه بمبيدات أكثر ضررا وإزعاجا.

لقد غدت السياسة محليا ووطنيا وسيلة لإشعال الصراعات، وتفتيت الأواصر بين الأسر والقبائل والجماعات، عوض أن تكون أداة لبناء المشترك وتحقيق التنمية. تُجهض المبادرات، وتُوضع العراقيل في طريق أبسط المشاريع الإصلاحية، في مدينة لا تزال تكافح لأجل معالجة حفر الشوارع وبلوعة الصرف الصحي وأعمدة الإنارة المتهالكة. كل هذا يُستثمر انتخابيا في حملات قادمة، حيث يقدم القادمون الجدد أنفسهم كـ”منقذين”، بينما يعيدون إنتاج نفس الخطاب ونفس الممارسات.

هذه الممارسات لم تفرز سوى نخب سياسية بلا مرجعية معرفية أو تجربة ديمقراطية حقيقية. نخب تعتبر وراثة المناصب أو تقلّد المسؤولية الإدارية بمثابة ترخيص دائم للحديث باسم المواطنين، واحتكار الحديث عن الشأن العام، متناسية أن الخطاب السياسي المسؤول يتطلب وعيا تمثيليا، ومعرفة دقيقة بمكونات ومراحل العملية السياسية.

لكن، ماذا لو وقف شاب من الجيل المستهدف بدعوات الانخراط السياسي، وسأل هؤلاء “الملحنين السياسيين” عن الفرق بين العملية السياسية والمشاركة السياسية؟ أو عن الفرق بين التأثير في القرار والمشاركة في صنعه؟ وهل هذه المشاركة محصورة في النطاق المحلي، أم تمتد لتشمل الأبعاد الوطنية، الإقليمية، والدولية، بما في ذلك الاتفاقيات والمعاهدات؟

ماذا لو سألهم عن تسلسل المراحل السياسية: هل نبدأ بـ”التنشئة السياسية”؟ أم بـ”الاهتمام بالشأن العام”؟ أم بـ”الانخراط في المؤسسات”؟ أم بـ”ممارسة النشاط السياسي”؟ وهل يملكون فعلا أدوات قياس ما يسمونه “الفحولة السياسية” في الشأن العام؟

ثم ماذا عن مستويات العملية السياسية؟ وما علاقتها بالبعد القومي والإقليمي والدولي؟ من هم الفاعلون الحقيقيون فيها؟ وما دورهم في تحقيق تسوية عادلة بين مراكز السلطة والقوى الاجتماعية، في إطار إصلاح شامل ينطلق من الدستور ويمتد إلى البنية السياسية والمؤسساتية والاقتصادية برمتها؟

باختصار، ماذا لو تساءل الشباب : عن أي عملية سياسية تتحدثون؟ وهل ما تقومون به إصلاح حقيقي، أم مجرد استمرار في التأسيس لفساد قديم بواجهة جديدة وشعارات براقة، هدفها الوحيد هو السيطرة على الأخضر واليابس؟

لقد آن الأوان لطرح الأسئلة العميقة، ولفتح المجال أمام فاعلين سياسيين حقيقيين، يملكون الكفاءة والضمير والمسؤولية. آن الأوان لتسقط الأقنعة، ولتنتهي مرحلة “تلحين الأوهام”، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى خطاب عقلاني، ورؤية واقعية، ونية صادقة للخروج من مستنقع التراجع والانقسام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.