مدونة المرأة الجدل الفاقد للبوصلة؟

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ذ. بوناصر المصطفى:

برزت قضية المرأة مرة أخرى واحتد الجدل حولها باجترار ذلك الحديث المؤجل، ربما هذه المرة قد تحضر الرغبة في إصلاح طال أمده نظرا لتأثيراتها المحتملة على تماسك الأسرة وللحسم في جدل افتقد الطعم من زمان، وهذا يستدعي من الكل التعبئة الشاملة وحالة استثناء لصياغة نظرة معمقة متجانسة وتكثيف التقييم بقدر ما تتطلب ألحكامه في التعامل مع هذا الملف الحساس.
فهل يمكن أن تكون 2025 سنة محورية بالنسبة لقضية المرأة في المغرب؟
معطى لا جدال فيه كون الأسرة نواة أي مجتمع، وان أي تحولات أو تغييرات جذرية في القوانين المنظمة لها، يمكن أن تؤثر في بنيتها وتماسكها، فجاءت الآراء منقسمة حول ما إذا كانت التعديلات المقترحة ستعزز استقرار الأسرة أم ستزيد من التحديات التي تواجهها.
رغم مظاهر الحداثة لا زال المجتمع المغربي تقليديا وذكوريا بامتياز إلا أن محاولات المرأة المغربية لفرض تعديلات على القوانين على اعتبار أنها مجحفة أو تمييزية بتبني تطلعات حداثية قوية قصد تحقيق مزيد من المساواة والإنصاف، انعكست على حساب الأسرة، تمخضت عنها مجموعة من المؤشرات المقلقة عزوف عن الزواج وارتفاع معدلات الطلاق مما يثير القلق بشأن استقرار الأسر وتفكك الروابط الأسرية لتحتد النقاشات حول مشروع المدونة وتعديلاتها المحتملة.
في ظل هذه المؤشرات المتضاربة والجدل المحتدم، أصبح السؤال عن الحكامة في التعامل مع مدونة الأسرة أكثر إلحاحا لتبقى المسؤولية تتأرجح بين خيارين رئيسين:
إما الاستمرار في التعاطي مع المدونة بتعديلات جزئية وان الاكتفاء بإجراء تعديلات تدريجية مدروسة بعناية على المدونة كخيار انسب لتجنب صدمات اجتماعية أو قانونية كبيرة وهذا النهج قد يستجيب لبعض المطالب الملحة مع الحفاظ على جوانب أخرى من المدونة التي تحظى بتوافق أوسع.
أو تبني مشروع مجتمعي بمراجعة شاملة وجذرية للمدونة، بهدف معالجة الاختلالات بشكل أعمق وهذا يقتضي إعادة صياغة بعض المفاهيم الأساسية في ضوء التطورات الاجتماعية والقانونية رغم ان هذا النهج قد يكون أكثر استجابة لتطلعات فئات واسعة من المجتمع لكنه يحمل في طياته مخاطر أكبر من حيث الجدل المجتمعي والتحديات التنفيذية.
لا شك أن حسم هذا المعترك لن يتم إلا بنهج الحكامة الرشيدة وبتبني الحكومة نهجًا تشاوريًا واسعًا يشمل جميع الأطراف المعنية منظمات المجتمع المدني النسائية، العلماء والفقهاء، المؤسسات القضائية، والأسر المغربية بمختلف أطيافها بتنظيم مناظرة وطنية تستمع إلى جميع الأطراف.
مما لا شك فيه أن التحدي الأساسي في هذا الملف يقتضي أولا إجراء تقييم موضوعي معمق للأثر المحتمل لأي تعديلات قانونية أو مراجعة شاملة على مختلف جوانب الحياة الأسرية والاجتماعية قبل اتخاذ أي قرار، بالموازاة سوف يكون على الحكومة أن تتواصل بإلحاح استشارة خبراء وكذا بشكل شفاف التوافق مع الرأي العام حول الأهداف من أي تعديلات أو مراجعة، والمبررات القانونية والاجتماعية لها، وكيف سيتم التعامل مع المخاوف والتحديات المحتملة وذلك بهدف تحقيق التوازن بين الحفاظ على الثوابت والقيم المجتمعية المغربية والاستجابة للمتغيرات والتطورات الحديثة.
لان استمرار تأجيل الحسم في رؤية منصفة لقضية المرأة في المغرب لن يخدم القضية بل يزيد في تأزيمها، بحيث أن وزن التقاليد راسخ بما يكفي لا عاقة تقدم النقاش وتكريس الخلاف في قضايا المرأة حتى لا يتحقق التوافق حول رؤية موحدة أو الوصول إلى حلول مجدية، نتيجة التباين في الآراء بين الأحزاب السياسية والتيارات المختلفة لينحصر في جدل والنقاشات السطحية بدلاً من التركيز على القضايا الجوهرية، مما يعيق التقدم الفعلي.
في غياب الإرادة السياسية وافتقار الجهات المسؤولة إلى رؤية مشتركة بين مختلف الفاعلين في المجتمع المدني يتضح الحياد اللا مبرر في صياغة موقف حكومي يدعم التغييرات المطلوبة في مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ونظرا لافتقاد موقف رزين وتهميش التنسيق تصبح الجهود و الأهداف في مهب الريح ليصبح من الصعب على الأفراد والمجتمعات دعم قضايا المرأة بشكل فعّال.
إن معالجة هذه القضايا تتطلب التركيز على تقديم حلول ملموسة وتعزيز الحوار البناء بين جميع الأطراف المعنية
طموحنا أن تكون سنة 2025 قد أعطت إشارة تسمح بفرصة محورية لقضية المرأة في المغرب، خصوصًا مع تزايد الوعي الاجتماعي حول حقوق المرأة ودورها في المجتمع في ظل توفر شروط التركيز على تحيين المدونة القانونية لتكون أكثر إنصافًا.
في الختام لابد من الإقرار أن حسم هذا النقاش لن يتأتى إلا بتحسين وضع آلإنسان بشكل كبير بما يساهم في تغيير النظرة التقليدية بزيادة الوعي بقضايا حقوق المرأة من خلال التعليم ووسائل الإعلام وتعزيز كل الجهود المحلية في سبيل تحقيق دعم حقيقي عن قناة راسخة للحركات النسائية وتضامن المجتمع المدني يمكن أن يساهم في دفع قضايا المرأة إلى الواجهة كي تحضي بدعم غير مشروط من المنظمات الدولية
إن تحديد مسار قضية المرأة والأسرة في المغرب ليس قضية تحضير وصفة جاهزة بل يفرض علينا التعامل مع هذا الملف بحكامه رشيدة وبحذر وتبصر، مع إعطاء الأولوية للحوار الشامل والتقييم الموضوعي بهدف تحقيق إصلاحات تخدم مصلحة جميع أفراد المجتمع وتعزز تماسك الأسرة المغربية.
#هل من حلول منصفة مقترحة لتحقيق الرؤية المنشودة؟
#كيف يمكن تعزيز حوار بناء بين الأطراف المتشابكة ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.