التعليم بالمغرب وآفاق رقمنة القطاع

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 

شهد قطاع التعليم في المغرب تحولات عميقة خلال العقود الأخيرة في إطار سعي المملكة لتعزيز جودة المنظومة التعليمية وتوسيع قاعدة التمدرس. ورغم الجهود المتواصلة التي بذلتها الدولة من خلال البرامج الإصلاحية ك “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” و”الرؤية الاستراتيجية 2015-2030″، ما يزال النظام التعليمي يواجه تحديات عديدة تتعلق بجودة التحصيل الدراسي، الفجوة الرقمية، والقدرة على مواكبة التطورات التكنولوجية. في هذا السياق، أصبحت رقمنة التعليم خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الكفاءة وتحقيق العدالة المعرفية.
تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على واقع التعليم بالمغرب، واستعراض جهود الرقمنة في القطاع، وتقييم الآفاق المستقبلية والتحديات المرتبطة بها.

1) واقع التعليم في المغرب.
تتسم المنظومة التعليمية في المغرب بتنوع وتعدد مستوياتها بين التعليم الابتدائي، والتعليم الثانوي، والتعليم العالي، إضافة إلى التكوين المهني. وعلى الرغم من الإصلاحات المتعددة، ما تزال بعض الإشكالات البنيوية تعيق تحقيق الأهداف المرجوة. من أبرز هذه التحديات استمرار التفاوت المجالي والاجتماعي، حيث يعاني التعليم في المناطق القروية والنائية من ضعف البنية التحتية وقلة التجهيزات الرقمية، مقارنة بالمناطق الحضرية.
كما يشكل الاكتظاظ والهدر المدرسي مشكلتين رئيسيتين، إذ تظل نسب الهدر المدرسي مرتفعة، خاصة في المرحلة الإعدادية، مما يؤثر على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. بالإضافة إلى ذلك، يعاني التعليم المغربي من ضعف جودة التحصيل الدراسي، حيث تُظهر نتائج التلاميذ في التقييمات الدولية مثل “PISA” و”TIMSS” وجود فجوة بين المناهج الدراسية ومتطلبات سوق العمل.

2) جهود المغرب في رقمنة التعليم.
وعياً منها بأهمية الرقمنة في تعزيز جودة التعليم، أطلقت الحكومة المغربية مجموعة من المبادرات الرامية إلى إدماج التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية. ويعد برنامج “GENIE” أحد أهم هذه المبادرات، حيث تم إطلاقه سنة 2006 بهدف تجهيز المؤسسات التعليمية بالبنية التحتية الرقمية وتكوين الأطر التربوية على استخدام تقنيات المعلومات والاتصال. كما شهدت مرحلة ما بعد جائحة “كوفيد-19” تسريع وتيرة الرقمنة من خلال إطلاق منصات للتعليم عن بُعد مثل “TelmidTICE” و”Microsoft Teams”، لضمان استمرارية الدراسة في ظل الظروف الاستثنائية. وفي التعليم العالي، تم تعزيز أنظمة التعلم الإلكتروني عبر منصات مفتوحة تتيح للطلبة متابعة المحاضرات والموارد الأكاديمية عن بُعد، مما أتاح فرصًا أكبر للولوج إلى المعرفة.

3) آفاق رقمنة قطاع التعليم في المغرب.
تفتح الرقمنة آفاقًا واعدة لتطوير المنظومة التعليمية في المغرب، حيث يمكن أن تساهم في تحسين جودة التعلم من خلال توفير محتويات رقمية تفاعلية تدعم الفهم العميق وتُعزز التعلم الذاتي. كما أن رقمنة التعليم تُعد وسيلة فعالة لتعزيز العدالة المعرفية، من خلال تمكين المتعلمين في المناطق النائية من الوصول إلى الموارد التعليمية بنفس السهولة التي يتمتع بها نظراؤهم في المدن. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الرقمنة على إعداد الأجيال الصاعدة لمتطلبات سوق العمل الحديث، من خلال تعزيز الكفاءات الرقمية والمهارات التقنية. ومن جانب آخر، توفر الأنظمة الرقمية إمكانيات متقدمة لتحليل البيانات التعليمية وتقييم الأداء، مما يدعم صانعي القرار في اتخاذ سياسات أكثر دقة وفعالية.

4) تحديات رقمنة التعليم في المغرب
رغم الإمكانات الكبيرة التي توفرها الرقمنة، إلا أن تحقيق تحول رقمي شامل في قطاع التعليم يواجه عدة تحديات، أولى هذه العقبات تتمثل في الفجوة الرقمية، حيث يظل الولوج إلى الإنترنت والأجهزة الذكية محدودًا في بعض المناطق القروية، مما يُعيق استفادة جميع التلاميذ من التعليم الرقمي، كما يشكل تكوين الأطر التربوية تحديًا مهمًا، إذ يتطلب نجاح الرقمنة توفير برامج مستمرة لتدريب المدرسين على توظيف التكنولوجيا بشكل فعّال في العملية التعليمية. علاوة على ذلك، هناك حاجة ملحة لضمان جودة المحتوى الرقمي وملاءمته للسياق المغربي، مع التركيز على إنتاج موارد تربوية متعددة اللغات تُراعي خصوصيات المتعلمين. وأخيرًا، تبرز إشكالية الحماية الرقمية، حيث أصبح من الضروري وضع سياسات واضحة لضمان الأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية للمتعلمين والأساتذة على حد سواء.

ختاما يمثل التحول الرقمي في قطاع التعليم بالمغرب فرصة كبيرة لتحسين جودة التعليم وتوسيع دائرة المستفيدين من المعرفة، إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر الجهود وتجاوز التحديات القائمة. ينبغي التركيز على توفير بنية تحتية رقمية شاملة، وتكوين الكفاءات البشرية، وضمان عدالة الولوج إلى التعليم الرقمي. إن الاستثمار في الرقمنة بشكل متوازن وفعال هو المفتاح لتعزيز التنمية المستدامة، وتحقيق أهداف “الرؤية الاستراتيجية 2030” في بناء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء.
يونس كلة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.