من وحي الخيال، سوق الأحد

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عادل عزيزي

كلما أردت أن أرى الأمور أكثر وضوحاً ذهبت إليه، وكلما اختلطت الأحداث الكبرى حولي تجوّلت فيه، إنه عرّافتي البشرية “الشوافة”..

يدهشني سوق الأحد لأنه عالم واضح تماماً، مفتوح لمن يقرأه دون مكياج أو تلميع، إنه صورة لظهر قطعة من وطن..

في رحبة الدجاج، هناك ديوك عتيقة وكبيرة في السن، تساقط ريشها وتكسّرت أظافرها وهرمت تماماً.. فعرضها صاحبها بسعر زهيد، أغضبني أنه يعاملها بقسوة وهي في أرذل العمر.. ويجبرها على التدخين من بقايا سيجارته ويركلها برجله ليضحك بعض زملائه..

بالقرب من ساحة الديوك، ساحة للدجاج الملوّن.. هندي.. بلدي.. مصري.. سألت أحدهم٤ ما ميزّة الدجاج البلدي: قال يبيض كثيراً ويأكل قليلاً..”مثلنا يعني”.. والهندي؟.. قال: عنقه أطول..!، أما المصري فيستعمل للولائم..

كما لفت انتباهي في سوق الأحد ، صناديق من الخشب مملوءة بالأرانب، صاحبها يتكىء على جدع شجرة وكل دقيقتين يقول الرجل لابنه.. نفّس ع الأرانب يا ولد.. فيركل الولد الكرتونة وهو ملهياً بالتلفون فلا تحدث أمراً.. الأرانب كانت تطأ بعضها بعضاً للوصول إلى ثقب الهواء لتتنفس في الجو الساخن.. فيصيح التاجر من جديد.. و نفّس شوي على الأرانب يا ولد.. فيركل الولد نفس الكرتونة لتعود إلى مكانها السابق.. وهكذا دون تغيير.. لا المالك جاد، ولا الولد مهتم، ولا الأرانب تشكو..

وفى الناحية الشرقية ، توجد رحبة الحمير، حمير من جميع الاشكال، سوداء وشهباء، ذكورا وإناثا وحتى الجحوش تجدها هناك، يتفنن اصحابها في مدحها وذكر محاسنها،  عالم مستقل بذاته..، لا تجد سوى بائعا وحيدا بجانب سور السوق، جعل من طاولة قديمة وبعض الأواني المهترئة وسيلته لبيع بعض المأكولات الخفيفة التي شبع منها الذباب قبل أن يشتريها بعض الناس..

فأمامك حفل حميرى من العرى بصخبه ونهيقه العجيب!! ولا غرابة أن تجد أكثر من حمار قد هجم على دحشة تمردت على أحدهما حتى أفقدوها توازنها وإستسلمت للاغتصاب الحميرى عنوة!!!

ولا إندهاش حين ترى أصحاب الإناث من الحمير قد إختاروا أجود الذكور لتقديم حميرهم لها لتحسين النسل.. هذا السوق الذى جمع الأضداد كلها، حتى الحمير لا يهمها سوى إشباع غريزتها، كل أحد بكل فوران الفحولة وصخب النهيق الأهوج..

و في وسط السوق، تسمع الكل ينادى على معروضه والناس طواف فى زحامهم لاهون ودائرون حول السلع المعروضة كأنها كعبتهم التى يحجون إليها كل أحد، ومن زحامهم وتهافتهم ذلك تخرج صيحاتهم وصراخهم وفى بعض الأحيان لعناتهم أيضا..!!!!

هذا السوق العجيب جمع المتناقضات والأضداد كلها في مكان واحد، فتجد فيه الغنى والفقير، السمين الذى يحمل كرشه فيهش بها الزحام يمنة ويسارا، والنحيل الذى إختفى بين الزحام..

تجد اللص الذي أتى لينهش جيوب الغلابة، والصعلوك الذى أتى لمعاكسة متصابية تتدلل بخصرها وعينيها لتملأ قفتها بثمن بخس نظير دلالها..!!!

بالمناسبة كل الذين تراهم على شاشات التلفاز لهم نظراء في سوق الأحد..

ترى الذي يقسم أغلظ الأيمان في لحظة ثم يتراجع عنها عندما يدفع له سعراً جيداً..

ترى المحتال الذي يدّعي أنه لا يقبل إلا بلقمة حلال ويكتب على واجهة محله: “وفي السماء رزقكم وما توعدون”..

ترى الشيخ الأشمط الذي يواري بلحيته أخلاقه الرذيئة ولا يتوانى في استخدام الألفاظ البذيئة مع كل من خالفه أو ناقشه أو نافسه..

في سوق الأحد ترى من يتقبّل الشتيمة القاسية بحق عرضه ومحارمه ويبتسم لها كي يبقى في مكانه الاستراتيجي..

وترى من يتبّرع من ذات نفسه للوشاية بزميله البريء عند دورية الشرطة حتى يصادروا بضاعته أو يفتحوا تحقيقاً بمصدرها..

وترى ماسح الأحذية الذي مهمّته الأساسية ألا يتّسخ حذاء سيده أو من يدفع له الأجرة الزهيدة، لا يرفع رأسه إلا ليرى الرضى بعد إتمام المهمّة، بينما جلّ نظره في تفاصيل الحذاء..

في سوق الأحد، ترى المكافح الذي جاء إلى هذا المكان ليعيش، وترى الديك منتوف الريش..

في هذا المكان، ترى من يسعى إلى الكسب الحلال في ظل فوضى الحرام، هو لا يختلط بهم وإن وضع بضاعته قرب بضاعتهم..

وترى النصّاب الذي يوهمك بأنه الأصدق والأنقى والذي يختلف عن غيره..

وترى الصامت الذي لا يتكلّم حتى لو سُئل عن بسطة جاره..

حتى الحيوانات والكائنات في سوق الأحد لها حكاية..

في سوق الأحد يمكنك أن تجد نفسك هناك.. ومن بين كل الوجوه المعروضة، قد تجد وجهك.. تأمله جيداً.. شاهد نفسك عن قرب.. ثم احكم على ذاتك إن شئت..!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.