*مقالة  في “عصيدة يناير وجدلية الحياة… ” للأستاذ والكاتب حسن الصوفي* 

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 

فلاش24 اكادير/ مصطفى أيديد

في ليلة( ييض يناير) أعدت

صاحبة الدار عصيدة الدرة كما جرت العادة المغربية الأمازيغية في رأس السنة بما تحمله من دلالات ورموز

وضع صحن العصيدة وعليه جوز وثمر وبيض وعسل وتحلق حوله من في الدار وبدأنا نتناول منه بشكل يختلف عن العادة فقد راح كل منا يبحث فيما يليه  لعله يعثر على نواة الثمر الوحيدة في الأناء لأن العادة جرت على أن من يعثر عليها فهو محضوض وفال حسن وبشرى عام سعيد …

ولكن ماذا عن واقعتنا ؟ فبينما نحن في بحثنا  المترقب لمحت ربة البيت النواة ولكن فيما يلي ابننا  الذي لم يكد ينتبه لها حتى تناولتها بسرعة من أمامه وانا أحس بالضفر وقد أفردتها بين أصابعي أعرضها على الجلوس وقد استاترت بالحض والفال الحسن وجواز سفر إلى باقي ربوع السنة السعيدة

وبينما أنا في نشوتي تلك تلقفتها مني ربة الدار صانعة العصيدة واضعة النواة وقالت أنا من رآها أولا والعبرة بمن رأى فأنا إذن صاحبتها ولم تكد تستردها حتى أخدها منها ابننا بهدوء من لا يريد أن يشاكس والدته وقال أولم تقولو أن العبرة بمن كانت النواة فيما يليه من الإناء فقد اخدتموها من أمامي ولو أنكما لم تستعجلا لبلغتها ولو بعد حين فأنا صاحبها إذن حسب العادة والعرف والمآل .

وبينما نحن نتجادب النواة والحض والفال الحسن ونأخد الجد محمل الهزل حينا ونحمل الهزل محمل الجد تارة قضينا وقتا حميما دافئا مع ابننا الذي عاد لتوه من سفر الدراسة وشاركنا تلك الجلسة العائلية النادرة

وطقوس تلك العادة المتوارتة المليئة بالرموز  والدلالات وقد رأيت كيف تحلقنا حول صحن العصيدة وقد شغلنا البحت على النواة عن العصيدة وما علاها من البيض والثمر والجوز واللوز والعسل والسمن المداب حتى اذا عثرنا على النواة تجادبناها وتبادلنا الحجج والإستشهاد على من يستأتر بها وبما تحمله من رموز وتنازعنا الحق في الكنز المعتور عليه بين من رآه أولا وبين من استولى عليه أولا وبين من عثر عليه في أرضه وتبدو لي أن أسلافنا كان لهم في عادتهم هذه شؤون ومآرب وعبر. وإلا فما سر صمودهم وتمسكهم بها لآلاف السنين أليست إذن اختصار مصغر للحياة

فعندما يتحلق أفراد العائلة والأحباب والأصدقاء على صحن العصيدة الشهي عادة مايقبلون عليه بشهية وهدوء متفاكهين متضاحكين ولكن صحن العصيدة هذا الفريد الذي توجد في انحائه تلك النواة الفريدة الوحيد يجعل جلستهم مضطربة ويجعلهم يتهافتون على نواة لا تصلح للأكل أصلا ولا تغني ولا تسمن من عثر عليها من جوع وانما تأخده نشوة الضفر ونزعة التميز فيقضي وقته وهو يسعى إلى غاية حتى إذا بلغها لم يجدها شيئا وقد فاتته العصيدة وما عليها وما حولها وقد استمتع بها من لم تلههم نواة ولا فأل ولاوهم سعادة عن ما صنعت العصيدة من اجله.

وبينما كنت أقارن في نفسي بين عصيدة يناير وجدلية الحياة وبين من يقبل عليها ويحياها كما هي وبين من يبحث على وهم قد لا يعثر عليه وإن عثر عليه ملأه الإحباط والخيبة والتفت حوله وإذا الزمن قد انصرم واذا بحبات العمر قد انفرطت بينما كنت في مقارناتي تلك كانت ربة البيت صانعة العصيدة واضعة النواة قد أعدت لي بعض ما بقي من العصيدة ممزوجا باللبن وقالت خذ واحتس من هذا فهو خير لك مما أنت فيه فأنا أعرفك تريد فلسفة كل شيء حتى العصيدة فقد انشغلت عن الجلسة بالنواة حتى أتينا عليها ولولا أني تداركتك لبقيت بلا عصيدة ولن تنفعك النواة بما فيها من فتيل ونقير قطمير ….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.