ذ. بوناصر المصطفى
بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب وعودته لرئاسة البيت الأبيض حسم الموقف حيث كان المجتمع الدولي منقسما بين مؤيد ومعارض، فإذا كانت الدول الأوربية والمؤسسات المالية الاستثمارية بالتحديد تراهن على كاملا هاريس نظرا لتحسن أداء الاستثمار في حكم الديمقراطيين، فإن أغلب الدول العربية دعمت هذا الرئيس الجديد للفوز، إلا أن البعض كان مترددا ومتخوفا من مضاعفات هذا الفوز، نظرا لما عرف عن الرئيس الجمهوري من جرأة زائدة أقرب إلى التهور في القرارات السياسية، فقد لوح في بعض خطاباته رغبته في تجميد أرصدة المسؤولين العراقيين، ومصادرة حساباتهم البنكية لفائدة الجنود الأمريكيين شهداء حرب الخليج.
– فأي أفق لظاهرة تهريب وتبييض الأموال العربية-الإسلامية؟
– وما مصير تلك الارصدة الأجنبية المودعة في الخارج؟
إن فوز دونالد ترامب برئاسة البيت الأبيض ربما قد يكون له بالغ التأثير على عملية تبييض الأموال العربية وتهريبها نحو الخارج، بالرغم من كونه أمر بالغ التعقيد، فقبول هدا التصريح على أنه مسلم به، له مضاعفات خطيرة قد تتسبب في تراجع المستثمرين العرب بوضع أموالهم في البنوك الأمريكية، أو قطع التعامل مع النظام المالي الأمريكي بشكل عام، وهذا قد يدفع بعضهم إلى البحث عن ملاذات آمنة أخرى.
من المعروف أن التوجهات السياسة المالية لدونالد ترامب غالبا ما تكون صارمة ضد تبييض الأموال المودعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما سيدفع الأنظمة العربية لتكون في القادم أكثر حيطة وحذر في سياساتها الرقابية للتعامل مع أموال قد يُشتبه في أنها غير قانونية مع زيادة الضغط على الأنظمة المالية فيها.
من الأكيد أن خرجات الرئيس الأمريكي لم تأت من فراغ، لذلك يبدو أن العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة قد تتأثر بشكل كبير، فالدول العربية في حاجة أن تبتعد عن قاموس التعاون المجرد والود الديبلوماسي المشروط، وأن تتفاوض بمنطق نفعي في علاقتها بالرئيس ترامب او غيره.
ففي ظل هذه الأجواء الضرورة تفرض ثورة على تلك العلاقة الكلاسيكية، ومراجعة شاملة باستحضار المخاوف وأي إجراءات مفاجئة وصارمة ضد الرساميل المودعة، بما يهدد استمرارها واستثمارها بشكل ناجع، حتى يكون عنصر التحفيز حاضر ومشجع لمزيد من التعاون في الاستثمار المالي المربح للبلدين.
إلا أن مستجدات الأسواق المالية العالمية والظروف الصعبة، بظهور التكتل المالي المنافس “بريكس” والذي جاء فقط لتكسير هيمنة الدولار، فإن الإدارة الأمريكية تدرك جيدا أن أي تهديد للأموال الأجنبية سيغير قبلة هذا الاستثمار العربي والإسلامي نحو أسواق أخرى خارج الولايات المتحدة ويقوي هذا المنافس.
لذلك فالمسؤولية السياسية تدفع بالولايات المتحدة بتجنب أي قرار قد يؤدي إلى زيادة تدفق الأموال نحو جهة منافسة، وسوف يؤثر على الأسواق المالية الأمريكية.
إن هذه الأسباب لا تشجع على تكريس الظاهرة، أو تنفي استمرار هذه المخاوف، بل هي رسائل واضحة للجهات المعنية بتجميد الأرصدة واسترجاعها بطرق قانونية ووقف ذلك النزيف باستراتيجيات أكثر نجاعة ولسن سياسة أكثر مناعة وتعقيدا ضد ظاهرة تبييض وتهريب الأموال.
قد يكون من الأجدر أن تتخذ الحكومات العربية إجراءات لتحسين الشفافية في أوطانها وتعزيز أنظمة مكافحة تبييض الأموال لتجنب التداعيات السلبية على استثماراتها وعلاقاتها مع الدول الأوربية وبالتحديد سويسرا والولايات المتحدة.
بناءً على هذه المعطيات، نستخلص أن رسائل ترامب كانت صفعة منبهة لها بالغ التأثير لإحداث تغييرات في ديناميات السياسات المالية للدول المعنية والحد من التبييض والتهريب للأموال باعتبارها جرائم في حق شعوبها وأوطانها، مما يستدعي استجابة فعالة من الدول العربية-الإسلامية للحفاظ على استقرارها المالي والاقتصادي ووكدا وحضورها على المستوى الدولي.
# هل تستوعب الدول العربية-الاسلامية الدرس بالاستثمار في اوطانها، عوض مراكمة ارصدة في ملاذات غير امنة ومضمونة؟