هل يتمكن الخدش من حد السلطة الرابعة؟
ذ. بوناصر المصطفى
اختار الجسم الصحفي بالمغرب على نهج مثيلاته في العالم وظيفة النبل والاستفراد بدور بطولي وحيوي في حفظ الحريات العامة، برصد حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية والمساءلة والتركيز على توعية الجمهور بالنبش حول معلومات وفيرة موثوق منها وكذا القرب من الأحداث قصد تقديم تحليلات وآراء ذات مصداقية ومستقلة.
أكيد أنه ليس بالهين أن تنتزع وتحصل على هذه المكانة الرمزية كسلطة رابعة، وأن تمارس هذا الدور في ضبط حدود السلط الأخرى ومراقبتها، فتحظى بممارسة دورك بكل حرية واستقلالية، وتعزز المساءلة العامة وتساهم في خلق طقس من الديمقراطية السليمة.
كثيرة هي الحكومات التي اختارت حصر دورها في تعكير هذه الأجواء الطبيعية، ومحاولات لتدجين الصحافة سواء بالإغراء أو شراء الولاءات بسخاء حاتمي في منح الهدايا والإكراميات رغبة في حفاظ وتكريس نظام سلطوي يلغي كل الانتقادات الهادفة والترويج لأجندة سياسية غير مقبولة في زمن الرقي وتحسين الخدمات.
إلا أن هذه المحاولات تبقى بئيسة تعبر من جهة عن تهديد قيم الديمقراطية بخنق حرية الصحافة بتزييف المعلومات وتقييد حرية التعبير، كما تؤشر كذلك عن أزمة ضمير، وتعطل نبل الوظيفة لتحولها بالفعل إلى مهنة المتاعب وخدمة تحت الطلب.
ليس قدرا أن تكشف اللعبة عبر سلسلة سيناريوهات كفتح مجالها لتفريغ موجات العطالة، أو باستهدافها بخروقات لا قانونية لا دستورية تعيق سيرها كهيئة مستقلة.
وبالرغم من كل هذا الإصرار والضرب على الاوتار، لاتزال بعض الأقلام في الصحافة المستقلة مشهود لها بالحفاظ على دورها في مواجهة كل التحديات والمضايقات بالالتزام بمعايير الموضوعية في تناول القضايا، بعيدًا عن التحيز أو التلاعب بالحقائق وهذا يعزز من مصداقيتهم وثقة الجمهور بهم وهذا بتعزيز التعددية والتوازن في التغطية الإعلامية، واختيار المصادر المتنوعة والمستقلة حفاظا على مبدا الحرية في التعبير.
كما أن التخندق في ركن التمسك بالنواجد على الحقوق المكفولة لها دستوريًا وقانونيًا، وبالانفتاح والتواصل مع مؤسسات دولية لتبادل الخبرات والتنسيق المشترك وتعزيز القدرة على الصمود في وجه الضغوط وألوان التهديدات
وكذا تضامن وسائل الإعلام فيما بينها لمواجهة أي محاولات لتقييد حرياتها، بتبادل الخبرات واستمرار التنسيق المشترك هو الضامن للقدرة على الصمود في وجه أشكال الضغوط، بمحاولة تنويع مصادر التمويل بما يحفظ استقلاليتها ويحميها من أي نفوذ حكومي أو سياسي معين حفاظا على رصيد كتلة الجمهور لتعبئة الرأي العام حماية لهذا الدور الحيوي، مما يضعها في مناعة ضد أي اختراق أو المساس بحريات الإعلام والصحافة.
في النهاية فالحفاظ على استقلالية الصحافة وتعزيز دورها النبيل في المجتمع يعتبر مسؤولية مشتركة بين الفاعلين الصحفيين والمؤسسات الديمقراطية الداعمة والجمهور المتلقي.
فالمراهنة على دعم الإعلام والصحافة لن تنجح إلا بالإرادة الفعلية في تصحيح المسار ووضع هده الأمانة بيد فاعلين لهم قناعة راسخة بمهنة المتاعب، لا تحركهم الولاءات ولا الإكراميات سواء إغراءات سياسية أو مصالح اقتصادية وذلك بالمحافظة على الموقف النقدي والمستقل.
أمثلة كثيرة لمنابر إعلامية بصمت مكانتها بالنجاح في صد كل ما يمس بالمعايير العالية والأخلاق المهنية كالغارديان البريطانية أو نيويورك تايمز او الأهرام المصرية …وبالانخراط في مبادرات منظمات دولية غير حكومية تعمل على دعم الصحافة المستقلة وحماية حقوقها بتنسيق متكامل مع منظمة مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين والاتحاد الدولي للصحفيين.
من هذا المنطلق فالغرابة ليست في وظيفة الخدش في حد ذاتها، بل في من يمنح الفرص للسماح بهذا الخرق اللامسؤول لقيم المصداقية والأخلاق المهنية
#فهل تنجح الصحافة في الحفاظ على استقلاليتها وتسييج الدور النبيل في المجتمع ضد كل الاغراءات المادية؟