تاونات.. موسم جني الزيتون، قصة موسم يبعث الأمل من رحم المعاناة
عادل عزيزي
جني الزيتون في إقليم تاونات ليس كغيره من المواسم .. تبدأ الاستعدادات له مبكرًا وينتظره الجميع بشوق.. فهو فرصة لقاء تحت ظلال شجرة “مباركة” ذكرها القرآن وأوصت بها السنة النبوية.
عند الفجر من صباح شتوي تكسوه نفحات هواء بارد تنعش الأرواح، ورائحة أرض عطرة .. تتوجه الساكنة رجالا و نساء و أطفالا نحو حقول الزيتون لجني المحصول السنوي.
تبادل للحديث والمزاح وأحيانا ترديد لبعض الأغاني الشعبية .. وضحكات تتناثر بين ثنايا هذه الحقول هي السّبيل الوحيد لهم ليمر يومهم بعيدًا عن الإحساس بالتعب والشقاء رغم صعوبة المهمة.
فتحت كل زيتونة .. فُرشت أقمشة “باش”، تسلق الرجل الشجرة ليأخذ مكانا له في “قلب الشجرة” أو على أطراف أغصانها غير مبالي بـ”المغامرة” التي يقوم بها، فيما تنهمك النسوة في التقاط حبات الزيتونة التي تتساقط أرضا. في جانب آخر من الحقل تجد شابين منهمكين في تعبئة ما تم جنيه في أكياس كبرى وتهيئتها قبل نقلها إلى “المعاصر” حيث يستخرج زيت الزيتون.
مبعث الفرح
المشهد الذي يرتسم في ذاكرة كل تاوناتي لم يختلف كثيرا عن ما تعيشه هذه الأيام جل الأسر التاوناتية ففي الصباح الباكر يتوجّه العمال رجالا ونساء إلى غابات الزيتون على دواب و سيارات أو دراجات ثلاثية جمعا وفرادى، ليحطون رحالهم في وجهتهم المقصودة ويبدؤون بفرش الأرض المحيطة بأشجار الزيتون بالأفرشة ويشرعون في جني حبات الزيتون بواسطة أدوات تقليدية عيدان طويلة ” المسقاط” يضرب بها أغصان الأشجار لتتساقط حبات الزيتون، وتتكفّل النساء بجمع حبات الزيتون المثناثرة هنا وهناك في أكياس أو في صناديق وتوضع جانبا.. الكل يعمل والفرح والابتسامة لا تفارق وجوههم من بزوغ الشمس إلى مغيبها كيف لا وهو موسم الفرح و البركة من الله.
موسم جني الزيتون هو فرصة للقاء جميع أفراد العائلة حيث تجد أبناء تاونات ممن يشتغلون في المدن البعيدة يأخذون خلال هذه الفترة إجازات من عملهم ويعودون رفقة زوجاتهم وأبنائهم من المدن المقيمين فيها حيث يشتغلون الــى ديار الآباء والأجداد ليقضوا هذه الفترة من العام في غابات الزيتون مجتمعين.
انتعاشة اقتصادية
استقبال موسم جني الزيتون يعتبر بمثابة “حفلة” تعكس حجم تعلق ساكنة المناطق الجبلية بالموروث الفلاحي من جهة، وبما تحققه عملية إنتاج الزيتون من مردودية اقتصادية على المواطنين من جهة ثانية، خاصة وأن مناطق عدة من إقليم تاونات، تعتمد في نشاطها الفلاحي على غلتي التين والزيتون، فضلا عن أنشطة فلاحية معيشية كتربية المواشي.
موسم جني الزيتون يمثل موسم الانتعاشة الاقتصادية فالعديد من العائلات المنتجة للزيتون تبيع بعضا من محصولها من الصابة الوفيرة لتصريف العديد من شؤونها ومشاريعها التي ربطتها بهذه الصابة (الاعراس، مشاريع البناء و الاصلاح.. تكاليف الحرث..) وتـــُبقي على كميات أخرى للاستهلاك وإهدائها للأقارب وبعض الجيران والأحباب.
كما تنتعش سوق اليد العاملة في موسم جني الزيتون بإقليم تاونات الذي يعاني من ويلات البطالة، حيث يتم الاعتماد على عمال ” السقاطة”، أو عاملات “اللقاطة”، وهي مهمة لا تخلو من المشقة، تستهلها اليد العاملة بالاستيقاظ مبكرا، والتنقل الى الحقول للعمل لساعات من الشقاء والتعب تدوم مدة زمنية طويلة.
جودة وشهرة
لا غرو أن زيت الزيتون بتاونات تعد من بين الأكثر جودة، فتوجه أنماط الاستهلاك على المستوى الكوني إلى الإقبال على المنتجات المحلية والأصيلة وإلى الزراعات العضوية الخالية من المبيدات والمنتجات الكيماوية التي تتمتع بجودة وذوق خاص، جعل سمعة “الزيت التاوناتية” تتجاوز حدود المنشأ ليتهافت عليها “الذواقة” و”العشاقة”، و يعتبر من أغنى أنواع الزيتون من ناحية القيمة الغذائية بحيث يعتمد فقط على الأمطار السنوية وأشعة الشمس مما يكسبه قوة كبيرة على ( الزيتون السقوي العادي ).
إشكاليات
مع بداية موسم جني الزيتون بإقليم تاونات تعود مخاوف الساكنة بسبب نفايات “المرجان” التي تؤثر على المجال البيئي بعدد من المناطق، ويعود الجدل من جديد حول المرجان الذي تلفظه معاصر الزيتون، الذي يعتبر قطاع إنتاج زيت الزيتون من بين الأنشطة الفلاحية التي يمتاز بها الإقليم، إلا أن هذا القطاع الحيوي يعرف عدة اختلالات بسبب غياب المراقبة لمعاصر الزيتون التي تقذف بنفايات “المرجان” بالمجال البيئي، ما أصبح يهدد التربة والموارد المائية التي تعرف هذه السنة جفافا حادا، بحيث أكدت العديد من الأبحاث العلمية على أن مادة “المرجان” تتوفر على مواد السامة، وتشكل خطرا على الفرشة المائية، علاوة على ما لها من آثار سلبية على خصوبة التربة وتدهور وضعية المغروسات والنباتات، فضلا عن الأضرار التي تلحقها بالساكنة ومحيطها، كذلك نجد إشكالية غياب معامل للتعليب الزيتون أو وحدات إنتاجية لتعليب الزيت مما يعني أن هذا القطاع الحيوي مازال يمارس بشكل تقليديي.