العدالة المجالية في الميزان… امرأة محرومة من مرحاض وقاعة بلا ماء في قلب إقليم الفقيه بن صالح

 

فلاش24/ أحمد زعيم

في الوقت الذي تؤكد فيه الخطابات الملكية السامية على ضرورة تعزيز العدالة المجالية والإجتماعية وتكافؤ الفرص بين مختلف جهات المملكة، ما زالت بعض المناطق القروية تعيش مظاهر تهميش صادمة تكشف عمق الفجوة بين الخطاب التنموي والواقع الميداني.
ففي دوار أولاد سعد بجماعة بني وكيل إقليم الفقيه بن صالح، تعيش سيدة مسنة تجاوزت الثمانين عاما داخل بناية طينية عتيقة تعرف محليا بـدار “التابوت”، يعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمن. هذه المرأة تعيش وسط ظروف قاسية، بعد أن رفض طلبها الترخيص لبناء مرحاض بسيط يضمن لها الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، بدعوى التقيد بمقتضيات المنصة الرقمية للتعمير والتصميم.
مشهد يختزل مفارقة حادة بين نصوص القانون الجامدة ومتطلبات الواقع الإنساني، ويعكس حجم الهوة بين طموحات التنمية وشروط العيش في القرى النائية.
وفي المقابل، لا يختلف المشهد كثيرا في دوار لقياس بجماعة كريفات المجاورة، حيث تعيش قاعة للتعليم الأولي، ممولة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، موسمها الدراسي الثاني من دون ربطها بشبكتي الماء والكهرباء. القاعة التي أنشئت لمحاربة الهدر المدرسي وتشجيع التمدرس المبكر، تحولت إلى رمز لغياب العدالة المجالية، إذ يواصل الأطفال دراستهم في ظروف تفتقر لأبسط شروط السلامة والنظافة.
ويزداد المشهد مفارقة حين تستعد الجماعة نفسها لعقد دورة شهر أكتوبر يوم 16 ، للتصويت على إتفاقية شراكة لإحداث مركب رياضي أولمبي ومنشآت سوسيو تربوية بدوار أولاد عبدون، في وقت لا تزال فيه أبسط المشاريع الحيوية بالعالم القروي مؤجلة.
هذه الوقائع المؤلمة تطرح سؤالا جوهريا حول مدى نجاعة تنزيل البرامج التنموية على أرض الواقع، ومدى إلتزام الجماعات الترابية والمؤسسات الوصية بروح الخطاب الملكي الأخير، الذي شدد على جعل العدالة المجالية ركيزة أساسية لتحقيق الإنصاف الإجتماعي، لا مجرد شعار في التقارير الرسمية.
إن ما يجري ليس مجرد تقصير إداري، بل خلل في تصور التنمية ذاتها، حين تتحول الحقوق الأساسية مثل الماء، والكهرباء، والمرافق الصحية إلى امتيازات تمنح أو تمنع، بدل أن تكون حقوقا دستورية مضمونة لكل المواطنين دون إستثناء.
ولعل تجاوز هذا الواقع لا يحتاج إلى خطابات جديدة، بل إلى إرادة فعلية في الإصلاح، عبر:
منح تراخيص استثنائية ذات بعد إنساني للحالات الاجتماعية الصعبة، مع اعتماد مقاربة تراعي الواقع القروي.
تسريع ربط المؤسسات التعليمية القروية بالماء والكهرباء، مع تفعيل المساءلة حول أسباب التأخير رغم توفر التمويل.
تفعيل لجان يقظة محلية لمواكبة الملفات الإجتماعية العاجلة وضمان تدخلات تراعي كرامة المواطن.
مراجعة آليات التنسيق بين الجماعات والمصالح الخارجية لتفادي تعطيل الملفات بسبب التعقيدات الإدارية.
ويبقى السؤال الملح معلقا:
كيف يمكن تحقيق العدالة المجالية والإجتماعية، ما دام في القرى من ينتظر ربط قاعة للتعليم الأولي بالماء والكهرباء، ومن لا يُرخص له ببناء مرحاض يليق بإنسانيته؟
أليست الكرامة والإنصاف أولى درجات العدالة التي دعا إليها جلالة الملك في خطبه السامية؟

العدالة المجالية في الميزان... امرأة محرومة من مرحاض وقاعة بلا ماء في قلب إقليم الفقيه بن صالح
التعليقات (0)
اضف تعليق