تاونات بين الاحتقان الاجتماعي وأفق الحوار المسؤول

0 834

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عادل عزيزي

يعيش إقليم تاونات في الآونة الأخيرة حالة من الاحتقان الاجتماعي نتيجة لتراكم اختلالات تنموية على مدى سنوات، انعكست على جودة الخدمات الأساسية وعلى حياة المواطنين اليومية.
ساكنة الإقليم، من خلال لجنة “نداء الكرامة”، تعبر اليوم عن مطالب مشروعة تتعلق بالتعليم، الصحة، البنية التحتية، والماء الصالح للشرب..، مطالبة بالاستجابة لها قبل أن تتحول التظاهرات إلى أزمات أوسع.
هذه المطالب لا تمثل رغبات فئوية أو مطالب سياسية، بل هي انعكاس حقيقي لاحتياجات مجتمع يعيش في مناطق غالبا ما يتم تجاهلها أو تهميشها، ويأمل أبناؤه في تحقيق تنمية عادلة وشاملة.
تاونات، الإقليم الواسع بتضاريسه الصعبة وغناه البشري، ما زال يواجه تحديات مزمنة في قطاعات متعددة، من بينها الطرق، التعليم، الصحة، والتشغيل..، وهي قضايا ظلت على مر السنوات محل انشغال لدى الساكنة التي تعبر، في كل مناسبة، عن رغبتها في رؤية تنمية عادلة تراعي خصوصيات المنطقة وتثمن مؤهلاتها الطبيعية والبشرية.
في المقابل، تبدي السلطات الإقليمية جهودا واضحة في مواكبة البرامج الوطنية والمشاريع التنموية، غير أن حجم الانتظارات والضغط الاجتماعي المتزايد يجعل من الضروري إرساء قنوات تواصل مؤسساتية منتظمة مع ممثلي المجتمع المدني، حتى لا تبقى العلاقة بين الإدارة والمواطن قائمة على سوء الفهم أو انعدام الثقة.
إن ما يعيشه إقليم تاونات اليوم يعكس، في جوهره، أزمة توازن بين النمو الاقتصادي والعدالة المجالية، وهي قضية طالما شكلت محور اهتمام الخطابات الملكية وهو ما أكد عليه جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2025 بقوله: “النمو الاقتصادي والبنيات التحتية لا يمكن أن تكون هدفا في حد ذاتها إذا لم تنعكس إيجابيا على حياة المواطنين”، وهي دعوة صريحة من جلالته إلى إحداث نقلة نوعية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتحقيق تنمية مجالية مندمجة وعادلة تشمل كل جهات المغرب،
إن ما يميز الحراك الاجتماعي في تاونات اليوم هو إدراكه لأهمية الحوار كسبيل حضاري لتجاوز الأزمات، فالمطالب التي رفعتها لجنة “نداء الكرامة” تنطلق من منطق الإصلاح والمساءلة، لا منطق الصدام أو القطيعة، إنها دعوة صريحة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والإدارة، وتحويل الاحتجاج من مجرد صرخة ألم إلى مشروع شراكة مجتمعية.
وفي هذا السياق أيضا، تبدي السلطات المحلية انفتاحا متزايدا على الحوار، وتمدد بدورها يدها للتواصل والتشاور مع مختلف الفاعلين، إدراكا منها بأن الإصغاء للمطالب الشعبية والتفاعل الإيجابي معها هو السبيل الأنجع لضمان استقرار اجتماعي وتنمية متوازنة.
إن الحوار والانصات المتبادل أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لتهدئة التوترات، بل لضمان أن يكون مستقبل الإقليم مبنيا على فهم متبادل بين الإدارة والمواطنين، فتح قنوات تواصل شفافة ومنتظمة سيمكن من تقديم المطالب بشكل واضح والعمل على حلول عملية، بعيدا عن الاحتقان أو الانفعالات.
نجاح أي مشروع في تاونات مرتبط بقدرة الأطراف على الاستماع واحترام المطالب المشروعة والعمل بروح المسؤولية، بما يعزز الثقة بين الإدارة والساكنة.
فالحوار ليس مجرد وسيلة لاحتواء الأزمات، بل هو قيمة مؤسساتية وجسر لبناء الثقة وتجديد العلاقة بين الدولة والمجتمع.
إن تاونات، بتاريخها العريق وطاقاتها الشابة، تستحق أن تكون نموذجا في التعاون بين المواطن والإدارة، وفي بناء تنمية محلية تشاركية تراعي صوت الساكنة وتضمن كرامتها.
وما تحتاجه المرحلة اليوم هو جرعة إضافية من الثقة، والإنصات المتبادل، والعمل بروح المسؤولية والاحترام المتبادل، حتى تظل تاونات محافظة على مكانتها، ورمزا لتعايش الإرادة الرسمية مع الوعي الشعبي في خدمة الصالح العام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.