الاستراتيجية السياحية بالمغرب بين الأرقام ورهان الاستدامة؟
ذ. بوناصر المصطفى
تعتبر الاستراتيجية السياحية في المغرب واحدة من أهم الركائز الاقتصادية، حيث تلعب دورًا حيويًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها أحد المصادر الرئيسية للعائدات الوطنية.
إذ حقق المغرب خلال سنة 2024 رقما قياسيا في توافد السياح لزيارته واكتشاف خباياه، إذ اعتبرها المتتبعون تلك القفزة النوعية التي كان المغرب دائما يراهن عليها في خارطة الطريق الخاصة بقطاع السياحة، فلطالما كثف جهوده لإنجاح الاستراتيجية السياحية والتي كلفته ارصدة مالية ضخمة عبر حملات ترويجية مستعينا بأفضل المؤسسات الأجنبية في هدا المجال، لجذب رقم 20 مليون سائح، اعتمادا على التنويه بتنوعه الثقافي والطبيعي ليشمل السياحة الشاطئية، الثقافية، الجبلية، والبيئية، مما يتيح له كقطب لجذب مختلف أنواع السياح.
فهل هده الجهود كافية لوحدها لتحقيق هده القفزة؟
صحيح أن المشروع السياحي كان طموحا، فقبل عامين من الموعد المحدد لأفق سنة 2026 حصد المغرب 17 مليون سائح حيث فاق كل التوقعات فاستعاد بهذا الرقم مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا.
لا ننسى ان هدا الانجاز ساعدت في تحقيقه سياقات أخرى، كان لحظوظ تألق المغرب في كأس العالم قطر، سواء على مستوى كرة القدم أو في مجالات رياضية أخرى، كانت لها اليد الطولى في زيادة نشر الوعي بالمغرب كوجهة سياحية، فغالبا ما تعطي هده الإنجازات الرياضية زخمًا إعلاميًا لتألق البلد.
في سياق اخر اعتدنا ان الفواجع الطبيعية (زلازل الحوز) تؤثر بشكل سلبي على السياحة في مناطق معينة، بينما أعطت هده الفاجعة فرصة للمغاربة لرسم صورة رائعة للقيم الإنسانية والتضامنية حيث نجحوا في استعادة الثقة بسرعة، مما يساهم في الاستقرار النسبي على الرغم من بعض التحديات حيث استمروا في تقديم بيئة مستقرة نسبيًا، مما يجعله وجهة مفضلة للزوار باستمرار تدفقهم للاستكشاف.
لم تكن هده الأسباب كافية لوحدها في تحديد خيارات السياح ودفعهم نحو المغرب كوجهة بديلة حيث شكلت التحولات الدولية في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع في غزة وفلسطين، عاملاً في تألق صورة المغرب وترويجه السياحي حيث ارتبط اسم المغرب تاريخيا بالداعم البارز للقضية الفلسطينية، هذا الانخراط عزز صورته كمدافع عن العدالة وحقوق الإنسان، ليجعله وجهة أكثر جاذبية للسياح الذين يهتمون بالقضايا الإنسانية، إذ تعتبر هده القيم جزءًا من الهوية الثقافية المغربية، مما يعطي دعما لجاذبية السياحة الثقافية.
ربما من الصعب تلميع صورة بلد في السياحة في ظل هده الأزمات المحلية والدولية، الا انه استطاع ان يحظى كنموذج في التسامح والتعايش مما فسح له المجال كوجهة مستقرة وهادئة زادت من جاذبيته التحولات السياسية التي دفعت السياح للبحث عن أماكن آمنة ومضيافة.
إذا فاز المغرب بتصنيفه جزءًا من الحلول الإيجابية، فقد أدى إلى زيادة الاهتمام به انطلاقا من تغطية إعلامية عبر وسائل التواصل ومحطات أعطت جاذبية لصورة المغرب، كما استفاد في هدا الإطار من تقصير بعض الدول المنافسة له في إفريقيا كمصر نتيجة الاحداث في الشرق الاوسط؟
مجمل القول إن نجاح المغرب في جذب السياح هو نتيجة لمجموعة عوامل، منها الأحداث الرياضية والطبيعية والترويج السياحي، بالإضافة إلى تأثير الأحداث في الدول المنافسة ويظهر غياب أي قياس لتأثير العوامل السياسية والاجتماعية على أعداد السياح.
وحتى تكون توقعاتنا موثوق بها ونضمن الاستدامة نحن في حاجة لإجراء دراسات كتحليل معدلات النمو في السياحة على مدى فترات زمنية محددة، وتحليل ارتباطها مع السياسية الحكومية، وإجراء استطلاعات لرصد آراء السياح حول سبب اختيارهم المغرب كوجهة، ومدى تأثر اختياراتهم بخصائص طبيعية وبشرية واحداث سياسية أو اجتماعية، مع مراجعة تقارير السوق من شركات السياحة والسفر حول اتجاهات السياحة دون الاستغناء عن وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على عملية التسويق ، وتبقى من الأولويات التركيز على السياحة المستدامة من خلال تشجيع المشاريع التي تحافظ على البيئة وتقلل من الأثر البيئي، وكدا تحفيز أي سياحة تدعم المجتمعات المحلية، وتساهم في تحسين ظروف معيشتهم، سياحة تسعى لتحقيق التوازن بين النمو وزيادة عدد الزوار مع الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي.
ولمواجهة كل التحديات المستقبلية يتطلب من المسؤول على القطاع تكييف كل المشاريع مع التغيرات المناخية وتعزيز الاستراتيجيات المستدامة، وتحسين وتطوير البنية التحتية السياحية لتلبية طلب السياح المتزايد باعتماد التكنولوجيا الحديثة في التسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي والترويج لوجهات سياحية محلية من اجل عدالة مجالية.
#فهل فعلا ترمي الاستراتيجية السياحية في المغرب إلى تحقيق نمو مستدام؟
#إلى أي حد يعطى للتوازن بين تحقيق الأرقام القياسية في عدد السياح وضمان الحفاظ على البيئة والتراث الثقافي حظ في تلك الاستراتيجيات؟
#وماهي الخطط المستقبلية للمغرب لتحقيق السياحة المستدامة ؟