أي مستشفى هذا .!.
بقلم : عادل عزيزي
نحن جميعاً مشاريع لوحات على الحائط، وصورنا مجرّد خلفيات شاشات أحبّتنا..، الإنسان أرخص من أن ينظرون إليه، أو يستمعون إلى وجعه أو تلفت انتباههم قصصه..
تموت سيدة حامل لنفس الشيء بسبب إهمال طبي، يصرخ الزوج، يحتجّ الناس خلف شاشات أجهزتهم، يُغرق الحزن مواقع التواصل الاجتماعي، تتشكل لجنة، يختزل الحزن الكثيف كلّه على شكل دمعة تسيل في الليل على خد الأم وتنسى القصة..
تموت طفلة بسبب إهمال طبي، يحتج الناس خلف شاشات أجهزتهم ، يُغرق الحزن مواقع التواصل الاجتماعي، تتشكّل لجنة.. يختزل الحزن الكثيف كله على شكل دمعة تسيل في الليل على خدّ الأم وتنسى القصة…
يموت طفل بسبب عضة كلب مسعور، يُغرق الحزن مواقع التواصل الاجتماعي، تتشكّل لجنة.. يختزل الحزن الكثيف كله على شكل دمعة تسيل في الليل على خدّ الأم وتنسى القصة…
لا يعالج الخلل، ولا تتحسّن الخدمات الصحّية.. هم يريدونها هكذا “خرابات صحّية” بموازنات قليلة وكوادر منهكة، من يملك ثمن علاجه سوف يهرب للخاص ولا يراجع المستشفيات العمومية سوى الفقير المعدم والمشرّد والمقطوع.. ثم تأتي سيدّتي الخصخصة تستحوذ على القطاع الطبي الحكومي بثمن بخس، ثم تديره على طريقتها.. ألا تذكرون لقد أصدر إله المال – صندوق النقد الدولي- إلى عبيده قبل سنوات فرماناً بضرورة خصخصة المؤسسات الكبرى العمومية و الآن جاء الدور على قطاع الصحّة.. وها هم به ماضون..
على بعد كيلومترات قليلة من أهم مستشفى عمومي متهالك، وكوادر قليلة ومتعبة… لدينا مشروع كلّف الملايير ونحن لا ننتج منه و لا حبة فول، هل نحن بحاجة الى هكذا مشاريع؟!
يخرج مسؤول أو من ينوب عنه لافتتاح أو لتدشين مشروع و نحن نعلم مسبقا أنه سيكون كسابقيه بموكب لا يقل عن عشرين سيارة قيمة هذه السيارات يؤهل مستشفى بالكامل..! ويقيم المسؤول وليمة للضيوف “من باب إكرام الضيف”… في مشهد انفصامي وانفصالي عن مشاعر الناس.. دون أن يكلف خاطره ويقف على تفاصيل ما حدث لدعاء وأكرم، وفاطمة و اللائحة طويلة..
هم يريدون منا اعتزال الحديث عن شؤوننا البائسة منذ زمن، لأن كل ما يجري مهزلة، و لا أحد يعنيه الوطن كوطن، ربما يعنيه المنصب، أو رضا المسؤول، لكن لا أحد يحترق قلبه لأجل وطنه..
أما نحن فتحرق قلوبنا ابتسامة طفلة كانت لديها أسراب أحلام ملوّنة، لديها ألعاب صغيرة في خزانتها، لديها كتب لم يقرأ منها سوى صفحتين، رحلت بلا ذنب أو خطيئة سوى أنها مرضت ولم يلتفت أحد الى صراخها الضعيف..
ماتت فاطمة، بعد 9 أشهر من المعاناة و الانتظار، وحينما جاء وقت الولادة، تحولت إلى ضحية الإهمال و اللامبالاة، لترحل وهى وطفلها.
هذا الوجع لا يخمد أبدا ولا يستكين، هذا الوجع عمر عشرات السنين ،كلما شاهدت زوجا يتألم أو أماً ثكلى تصرخ أو شيخا يبكي، ألعن عجزي وقلة حيلتي وألعن كل الذين يقدرون ولا يفعلون…
كي لا يكون الأبرياء “شهداء التهميش و اللامبالاة” مجرّد أرقام يظهرون بوميض العواجل للحظات ثم يختفون، أتمنى أن نحصل على أسماء كل “موتى الاستهتار بإقليم تاونات” ونسمي بأسمائهم مدارسنا وأسماء الشوارع والميادين في كل ربوع الإقليم كي لا يغيبون عن أعيننا لحظة، بل ونسمي أشجارنا بأسمائهم لعيشوا في بيوتنا مئات السنين، هؤلاء جميعا ارتقوا ليحركوا فينا الضمير.. هؤلاء ليسوا مجرد ركّاب في حافلات النسيان.. هؤلاء وجداننا وضميرنا الانساني إن بقي هناك ضمير.