أموال المنح والدعم.. جمعيات “محظوظة” وعدالة مجالية غائبة

 

عادل عزيزي

يعتبر العمل الجمعوي مجالا خصبا للمساهمة القوية في التغيير الاجتماعي، وميدانا يمكن من خلاله تعلم وممارسة الديموقراطية، واكتساب التجربة والمبادئ في الحياة، ومعالجة الشباب من الحالات النفسية المرضية كالخجل والانطواء على الذات، وتعلم مجموعة من المهارات في الحياة وطرق الاندماج في المجتمع، وحل المشاكل ومواجهة الصعوبات التي تعترض حياتهم.

وقد عرفت جمعيات المجتمع المدني في المغرب تطورا ملموسا (من حيث الكم على الاقل) في تكاثر عددها وتنوع مجالات عملها على الرغم من اختلاف أهدافها وأنشطتها خاصة بعد ميلاد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – التي تعتبر بقرة حلوبا لأكثر من جهة-، وايضا نتيجة ما أحيطت به هذه الجمعيات من تأطير قانوني محكم وما أنيطت به من أدوار لم يسبق لها نظير في تاريخ المجتمع المدني المغربي على ضوء دستور 2011م، أدوار تجعل منها (نظريا الى الآن) شريكا أساسيا في عملية الاصلاح الشامل والوقوف ضد “الفساد والاستبداد”.

وحسب الاحصائيات الرسمية فقد بلغ عدد جمعيات المجتمع المدني في المغرب الى حدود شهر ماي سنة 2022 أكثر من 259 ألف جمعية، وكل هذه الجمعيات (من خلال أدبيتاها ) مرتبطة أساسا (على الأقل نظريا) بقيم الديمقراطية والمواطنة والمساهمة في التنمية المستدامة .

لقد سبق وصرح وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بأن أقل من 10% من الجمعيات يحصل على أكثر من 80% من منح الدعم، وأن أزيد من 97% من هذه الجمعيات لا يقدم أية وثيقة رسمية عن مصاريفه، أو أعماله، أو ما نفذه من مبادرات وأنشطة وبرامج وما سواها، ويضيف الوزير أن هناك “مجتمعا مدنيا مرتزقا، لا يقدم الخدمات التي تنص عليها أوراقه الرسمية.

 

يستفاد من تصريح الوزير أن توزيع ما يخصص من المال العام لدعم هذه الجمعيات، لا يتم وفق معايير موضوعية، بل يتم وفق معايير أخرى، كالزبونية والمحسوبية والريع والولاء للسلطات، إضافة إلى أن هذه الجمعيات في مأمن عن كل مراقبة، وأن ما تحصل عليه هذه الجمعية أو تلك، هو في المحصلة بمثابة مال عام تحول إلى مال خاص يتصرف فيه البعض وراء اسم الجمعية كما يشاؤون، كل هذا يجعلنا نقول بدون تحفظ : إن هذه الجمعيات هي جمعيات أعيان وشخصيات نافذة تستفيد من الريع والفساد مقابل تطبيلهم لما يريده أولياء نعمتهم، ومقابل عملهم على ترسيخ ثقافة الموالاة والتبعية والخضوع، وأيضا التشويش عن الجادين بل والتصدي لهم بالقوة اذا دعت الضرورة، فالمال العام كما يفهم يوزع بطريقة عشوائية وغير شفافة، والجمعيات الجادة التي تشتغل بشكل دائم مع المواطن تهمش وتتعرض للإقصاء.

بالمقابل خلقت عشرات الجمعيات الوهمية في السنوات الأخيرة “فترة كورونا”، وأصبحت في ظرف قصير تحظى بدعم سخي، لكنها على أرض الواقع لا تشتغل، وأغلبها ولد على يد منتخبين أو مسؤولين بغرض الاستفادة من هذا الريع، أو من طرف أشخاص همهم الاستفادة المادية .

بالمقابل تعاني العديد من جمعيات المجتمع المدني الجادة من التهميش وفي غالب الأحيان من الإقصاء الممنهج والمقصود من الدعم المالي الذي تمنحه المجالس الترابية والجهات المانحة الأخرى، بل يتجاوز ذلك ليتم التعامل مع أغلبها حسب الانتماء السياسي أو ما يسمى بالتبعية المطلقة لرؤساء المجالس أو للسلطات المحلية او الإقليمية مما يخرجها عن الأهداف التي أسست لأجلها وبالتالي إبعادها عن تحقيق التنمية المنشودة ، ويحيد بأغلب الجمعيات عن إطارها الصحيح، فأصبحت لا تؤسس انطلاقا من قناعات وأهداف نبيلة بل أصبح ميلادها أو تسييرها تتحكم فيه اعتبارات عديدة تضرب في العمق جوهر العمل الجمعوي كالسعي لتصفية حسابات شخصية و ذاتية ضيقة مع رؤساء أو أعضاء جمعيات أخرى لهم نفس الاهتمام، أو التضييق على إطارات جادة في الميدان. وغالبا ما يكون التأسيس بإيعاز من جهات تتحكم في توزيع منح أو تخصص في توظيف الإطارات الجمعوية لأهداف ذاتية تحت شعار خدمة المجتمع وأصبحت مجموعة من الجمعيات عبارة عن مقاولات تبحث عن الربح المادي للقائمين عليها ومن وراءهم عن طريق إغداق المنح على الأتباع، وتمييع وخنق أي ممارسة جادة وهو ما عكسته “جمعيات مشبوهة همها الدعم” بشكل واضح وفاضح فصارت الأمور عكس المأمول، مما يجعل الجمعيات غير المحظوظة أو الجمعيات الجادة تجمد نفسها أو تسلك سبلا غير مقتنعة بها لإرضاء أصحاب القرار أو لتوفير موارد مالية تمكنها من الإعلان عن تواجدها.

هذه توطئة فقط لسلسلة من المقالات عن الجمعيات بإقليم تاونات، كيفية تأسيسها؟ الجهات التي تدعمها؟ لماذا هذه الجمعيات خارج حسابات المجلس الأعلى للحسابات؟ كيفية تدبيهار لمبالغ مالية كبيرة؟، هذا يقود الى طرح سؤال جوهري: ما هي رؤية السلطات الإقليمية لدور القطاع الجمعوي في التنمية بإقليم تاونات، و كيف ستتعامل مع دورية وزير الداخلية فيما يخص الجمعيات التي تستفيد من أموال الدعم والمنح؟ هذه أسئلة و اخرى سنحاول الإجابة عنها عن طريق “تحقيق” أعد من قبل بكل حياد و موضوعية.

أموال المنح والدعم.. جمعيات "محظوظة" وعدالة مجالية غائبة
التعليقات (0)
اضف تعليق