لا تدع طفلك يعمل مدى الحياة
لا تدع طفلك يعمل مدى الحياة
القاصة والكاتبة سهام
إذا كنت من متتبعي البرنامج الشهير خواطر للإعلامي الرائع أحمد الشقيري فلا بد أنك شاهدت الحلقة رقم 2 من الموسم 5! بغض النظر على أن هذا الموسم قلب موازين حياة العديد من متتبعيه، لكن هذه الحلقة بالذات، جعلتني أرثي لأطفال أمتنا العربية وأنا أشاهد الإهتمام الجاد للشعب الياباني بالفئة الناشئة، وقدرته على توفير هذا الكم الهائل من الجهد والوقت والميزانية المادية الهائلة لبناء كيدزينيا.
كيدزينيا هذه هي عبارة عن مركز كبير للأطفال للتسلية واللعب لكن تسلية من نوع آخر، هدفها الأساسي هو جعل الطفل يستشعر ميولاته المهنية عبر تقمصه و انخراطه في مهنة معينة مثلا طبيب أو إطفائي أو مقدم نشرة أخبار و العديد من المهن و تقديم الخدمات، وكل هذا فقط عن طريق اللعب. وما لفت انتباهي أيضا هو طبيعة المهن المتوفرة التي يحترمها ويقدرها الشعب الياباني ونحتقرها نحن الأمم الإسلامية، كعامل تزويد السيارات بالبنزين مثلا أو بائع مثلجات…
هذا الشعب المتقدم بخلافنا استطاع أن يفهم السر الذي من شأنه أن يطور مجتمعه وذلك عبر احترام شخصية الطفل واختياراته النابعة عن حب واقتناع ليكتشف وينمي مهاراته ويصقلها في سن مبكرة.
هناك مواهب عديدة في مجتمعاتنا النامية تم قتلها في مهدها، و مهنة فرضت على طالب بعد تخرجه بغير حق، فقط لأن نظرة المجتمع لا تسمح، ليصبح ملزما طوال العمر بالتشبث بهذا العمل، وتأدية واجبه رغما عنه مهما كانت ظروفه النفسية. وكم منا ممن أضاع من عمره سنوات في دراسة شعبة أو تخصص لا يتوافق وطبيعة شخصيته مما قيد من قدرته على الإبداع وأفقده متعة العطاء.
كان جواب طلال أبو غزالة للصحفية وهو يفصح لها عن سر نجاحه كرجل أعمال عالمي: لا تنخدعي لمن يقول لك: ارتاحي! هذه النصيحة بحد ذاتها هي أعمق من أن تفهم كما قيلت وهنا تكمن الخدعة الحقيقية.
فعندما يكون هناك شغف وحب لما نفعله يصبح الإلتزام في العمل مصطلح غير متوفر في قاموسنا، فنحن لا نحتاجه كي ننجح ونتألق في عملنا لأن هذا الأخير يصبح ببساطة مصدر متعة وراحة.
نحن كأولياء أمور لا يجب الإعتماد على مؤسسات التربية والتعليم أو موجه لا يقترف حضوره إلا في نهاية السنة لتوجيه أطفالنا واكتشاف مواطن الشغف لديهم.
ومهمتنا الأولى نحن كآباء وأمهات هي الملاحظة والتحليل والمراقبة عن بعد وإعطاءهم المساحة المعقولة والآمنة لارتكاب أخطاءهم الخاصة، ثم التبليغ والتوجيه الصحيح مع الإصغاء الجيد.
و لا أرى شذوذا في أن يكون طفلي الذكر هادئ وحساس، أو عيبا في أن تكون أخته الأنثى شخصية مندفعة ولا تهاب إمساك السكين. فكل منهما سيسخر ما يمتلكه من مؤهلات في خدمة مجتمعه في حدود الشرع والقانون.
هناك مقولة تقول: إذا كنت تعمل ما تحب، فلن تضطر للعمل طوال حياتك.
أما مقولة حب ما تفعل حتى تفعل ما تحب فهي فقط دواء يقدم بعد تشخيص متأخر.
كومونو بقلم سهام الراضي