مخطط “المغرب الأخضر؟ أو استراتيجية “الجيل الأخضر”؟.. تغيرت مصطلحات ولم تتغير وضعيات مقلقة؟
فلاش24 – محمد عبيد
إذا كان معلوما أن القطاع الزراعي في المغرب يمثل نحو 15% من إجمالي الناتج المحلي، ويعمل فيه نحو نصف اليد العاملة، وأن المنتجات الزراعية تشكل 23% من صادرات البلاد، فالملاحظ هو أنه وقد منذ إطلاق أول مشروع لمخطط المغرب الأخضر، رغم الإمكانيات الهامة التي كانت قد وُفرت له، فإنه أثار جدلا واسعا داخل أوساط المجتمع المغربي من النخب المسيرة للشأن العام وحتى عامة الشعب، بحيث تباينت الآراء حول فعاليته ونجاعته ومدى تمكنه من تحقيق أهدافه المنتظرة. فبينما أشاد القطاع الحكومي المعني بمعية المهنيين الكبار بنتائجه الإيجابية وحصيلته الاستثنائية، يرى المواطن، المكتوي بنار غلاء أسعار المواد الغذائية والمنتوجات الفلاحية الضرورية لقوتهم اليومي، أنه لم يحقق ما كان منتظرا منه.
كما أن بعض المؤسسات الدستورية والرسمية نبهت إلى بعض نواقص المخطط والإخفاقات التي سجلها.
وبالرغم من تغيير التسمية مصطلحيا بدعوى تجديد الاستراتيجية باسم “الجيل الأخضر 2020-2030″، في حين يلاحظ أن “الجيل الأخضر” يعد استمرارية ل”مخطط المغرب الأخضر”، الذي اعتمد على تطوير الإنتاج وميكنة القطاع الفلاحي وتنظيم المهنيين، وكونه يهدف “مخطط؟” او ما اصطلح على تسميته ب”استراتيجية؟!”: *الجيل الأخضر الجديد* إلى تأهيل الفلاح ورفع مستواه الاجتماعي والاقتصادي، بحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
في وقت تم تسجيل ملاحظة أساسية باعتبار أن القطاع الفلاحي او ما اصطلح عليه ب”الزراعي” يعتبر من بين أهم السياسات العمومية التي عرفت نقاشا عموميا لم يسبقها في ذلك إلا مخطط التقويم الهيكلي، وبكون الحكومة قررت أن هذه الاستراتيجية الجديدة للمغرب الاخضر تستهدف إعطاء الأولوية للعنصر البشري (التغطية الاجتماعية) وتحسين دخل الفلاحين، فإنه لازال هذا المشروع الذي استفاد منه فقط المزارعون الكبار، بفضل مساعدات الدولة، يتخبط في عدة عوامل مؤثرة في مساره ميدانيا، إذ أن هذه الاستراتيجية فشلت في تحقيق فائض الإنتاج، واحتفظت بميزان تجاري سلبي في التجارة الزراعية، ثم إن التحرير المتزايد للقطاع الزراعي، وإلغاء الضوابط، والخصخصة، كلها عوامل أسهمت في تعزيز الفوارق الهيكلية”.
يمكن القول بأنه لا يمكن إنكار الإنجازات الهامة لمخطط المغرب الأخضر خصوصا مساهمته في تطوير الاستثمار الفلاحي الوطني وتنويع والرفع من الإنتاج الزراعي ومن الصادرات الفلاحية وتنظيم القطاع. في المقابل، تطور وازدهار القطاع الفلاحي الوطني ليس وليد المرحلة الحالية بل انطلق منذ استقلال المغرب، والقول بأنه لولا المخطط لما توفرت المواد الغذائية الضرورية لحياة المواطنين اليومية هو كلام مجانب للصواب وغير موضوعي.
وسبق وأن ذكرت دراسة بأنه “في المغرب اختفى مصطلح فلاح أي المزارع ليصبح المهم هو الإنتاج، من دون الاهتمام بالكيفية!”.
أيضا سبق وأن كشف تقرير للمندوبية السامية للتخطيط بشأن المؤشرات الرسمية الأخيرة على أن القطاع الفلاحي لم ينجح في خلق فرص شغل إضافية ولا التحكم في مناصب الشغل المحدثة، والتي لاتزال رهينة بالظروف المناخية، كما أن تطوير المكننة ساهم كذلك في خفض حاجة الفلاحين الكبار الى اليد العاملة.
وأن ضعف الدعم المباشر للفلاحين الصغار ساهم كذلك في خفض التشغيل العائلي. وكنتيجة، تم تسجيل تراجع واضح في نسبة مساهمة القطاع الفلاحي في سوق الشغل..
فيما يسجل المتهمون والمتتبعون، أن هذا المخطط أو الاستراتيجية الجارية؟! فشل في رهان تأمين الأمن الغذائي للمواطن المغربي، مما أدى أيضا إلى فشل في تحقيق الأمن الغذائي لتهميشه حاجات السوق الداخلية، وتسبب في اختناق ملحوظ للتسويق المحلي، حيث يسجل ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية من خضر ولحوم ودواجن وبيض في الأشهر الأخيرة، والتي صارت أسعارها مرتفعة وتجاوزت كل الحدود، وجعلت شرائح اجتماعية واسعة تتخوف من المستقبل؟!! في وقت تم فيه التركيز على التصدير وتقليص الزراعات المعيشية…
مما يستوجب إعادة النظر في طريقة ومنهجية تنزيل هذا “المخطط” أو هذه “الاستراتيجية” من خلال الاستفادة من الأخطاء والهفوات السابقة، مع توجيه الدعم للفلاح الصغير المزود الرئيسي للسوق الوطنية، وذلك من خلال التفكير في خلق سياسة غدائية اجتماعية مستدامة.
وإن كانت السلطات الحكومية قد وضعت استراتيجية “الجيل الأخضر” لتجويد قطاعه الفلاحي، فإنه مع الارتفاعات المتتالية للأسعار والمنتجات الفلاحية توضح بالملموس أن هذا المشروع لم يستطع تلبية حاجيات المواطن المغربي.
وهنا يطرح السؤال:
ما الجدوى من هاته الخطة أو الاستراتيجية؟
وتصب كل الإجابات في اتجاه واحد وتجمع على رأي واحد، يفضي بفشل مبكر كذلك مشروع استراتيجية الجيل الأخضر 2030/2020، لأنه لم ينجح في محاربة الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي المتوقع، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لعدم تمكنه من تحقيق فائض الانتاج، نتيجة عدم الاستثمار في المناطق الملائمة للزراعة، والتركيز فقط على إنتاج المزروعات المخصصة للتصدير بهدف تحسين التجارة الزراعية، في أفق تعويض وارداته من الحبوب.
أي أن هذه الاستراتيجية ولو أنها كما يتم ترويجه جاءت بديلة لمخطط المغرب الاخضر، فإنها لازالت تركز على نمط فلاحي موجه للتصدير على حساب النمط الموجه للاستهلاك، وقلصت الزراعات المعيشية، مما أصبح المغرب مهددا للأمن الغذائي.
سيما وأن المزارعين الكبار أخلوا بالتوازنات المعمول بها منذ سنوات مع ظهور وجهات تصديرية جديدة – بحسب خبراء اقتصاديين في المجال- إذ ردوا السبب كذلك في كون الحكومة كانت توافقت مع كبار المزارعين على أساس تصدير جزء من المنتجات نحو أوروبا وإبقاء جزء منها في السوق الداخلية لتفادي أي نقص، إلا أن ظهور وجهات تصديرية جديدة، خاصة في القارة الإفريقية دفع كبار المزارعين إلى تصدير منتجاتهم إليها بدل بيعها في السوق الداخلية بحثا عن ربح أكبر.
ويبقى السؤال المهم هو: “هل الحكومة فشلت حتى في تزويد السوق الداخلية بعرض وافر من الخضراوات وضبط أسعارها ومواجهة المتلاعبين بها وجشع الفلاحين الكبار؟”…
أم أنها ستستمر في التمويه والمراوغة، وتعتمد سياسة: “كم حاجة قضيناها بتركها؟!!”… سيما عندما نقف على أنه بعد أن اعتمدت الحكومة المغربية هذه الاستراتيجية، فإنها فشلت في تحقيق فائض الإنتاج، واحتفظت بميزان تجاري سلبي في التجارة الزراعية..
ثم إن التحرير المتزايد للقطاع الزراعي، وإلغاء الضوابط، والخصخصة، -وكما سبقت الإشارة إليه في بداية مقالنا- كلها عوامل أسهمت في تعزيز الفوارق الهيكلية.