عادل عزيزي
أينما وضعت إصبعك على خريطة تاونات، ثمة وجع…
وجع الطرق التي لا تصل..
وجع الشباب الذي يهاجر بحثا عن غد بعيد..
وجع الأرض التي تنبت الزيتون والتين، لكنها لا تنبت فرصا..
وجع الصمت الذي يعلو على كل خطاب..
وجع أن تكون قريبا من كل قرار… وبعيدا عن أي اهتمام..
في تاونات، الوجع لا يعلو صوته، لكنه يسكن الملامح و يكتب على الوجوه قصة كل يوم.
في الأسواق، في المدارس، في المقاهي الصغيرة المطلة على الفراغ، في العيون التي تعود إلى القرى عند الغروب.
حتى الحديث صار وجعا… التفكير وجع، الاختلاف وجع.
كأنك إن نطقت بحقيقة بسيطة، جرحت ذاكرة جماعية اعتادت الصبر أكثر مما اعتادت السؤال.
تساءلت كثيرا، لماذا كلما ازداد الانفتاح على العالم الافتراضي، ازددنا انغلاقا داخل جغرافيا ضيقة، كأن الشبكة العنكبوتية نسجت حولنا شرانقا جديدة…؟
لماذا يتحول النقاش في تاونات إلى حلبة للاتهام لا مساحة للفهم…؟
لماذا صار بعضنا يرى في الاختلاف تهديدا، لا قوة وثراء المعنى…؟
لما أصبحنا إقصائيين، مشككين، استعلائيين، محرضين بشكل مرعب..، والكلام هنا عن كل الأطياف والفرق السياسية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار…!
ولماذا يقصي الفقير الفقير، والمهمش المهمش، وكأنهم جميعا يتنافسون على ضيق الظل لا على اتساع الأمل…؟
لما يحاول كل منا اختطاف النضال والوطنية والمفهومية والتنوير والهروب به بحجة، الحرية، والثقافة، والمصداقية والكلام الكبير…!
لما يحاول كل منا أن يستأثر “النضال” بثوبه كما الحجر الأسود ليستبد على الآخرين ويمحوهم من تنوعه الاجتماعي وحقهم في الحرية والتعبير…!
كل فريقٍ يرى نفسه الأحق بالوطنية، والأقرب للحقيقة، والأصدق في النضال..
والكل يريد أن يختطف المعنى لصالحه، وأن يلبس النضال ثوبا على مقاسه..
وهكذا تمزق الخطاب الجمعي بين أصوات متنازعة، لا يجمعها سوى ادعاء التفوق النضالي والأخلاقي، لكن الحقيقة أن النضال فقد قدسيته حين صار وسيلة للهيمنة، لا مساحة للتعدد.
والكل ينسى أن تاونات لا تختصر في لسان واحد ولا في فكرة واحدة، بل هي نسيج من تناقضات جميلة لو عرفنا كيف نحتضنها بدل أن نقصيها.
ربما لم نعد نحتاج إلى مزيد من الكلام، بقدر ما نحتاج إلى لحظة صمت طويلة نسمع فيها تاونات نفسها.
هل خسرنا القدرة على الإصغاء لبعضنا لأننا لم نعد نصغي حتى لأنفسنا…؟
سأترك التساؤلات الكبيرة ليبرد الجرح قليلا وليترتب الدماغ المائج بالعواطف قليلا، فالانفعال لا يقطف ثمار الاجابة…
تاونات ليست فقيرة كما يقال، لكنها متعبة..
متعبة من التهميش..
من الإقصاء..
من الصراعات..
من الكلام الذي لا يتحول إلى فعل..
إنها تريد أن تعامل ككائن حي، له قلب وكرامة، لا كهامش على دفتر الوطن.
وفي نهاية المطاف، قد لا نجد كل الإجابات، وقد يبقى الجرح بعض الشيء مفتوحا… لكن ربما يكفي أن نتوقف قليلا لنستمع ونفهم..
لعل نسيم الصباح القادم يحمل إجابة صغيرة… أو أملا جديدا.. وأخبرا شكرا على تفهمك فتاونات تجمعنا…!!