تاونات خاصها شي كليسة..

 

عادل عزيزي

بعد تأمل طويل في واقعنا المحلي، ومراجعة متأنية لسنوات من النقاش حول أسباب تأخر التنمية في إقليم تاونات، توصلت إلى اكتشاف قد يبدو صادما، المشكلة ليست في خطط الحكومة غير الموفقة لا سمح الله، أو نتاج فشل البرامج التنموية والعياذ بالله، وليس في غياب المشاريع ولا في ضعف التمويل، ولا حتى في قصور التخطيط لا قدر الله، وإنما يعود الأمر الى سبب جيني بحث، فنحن ببساطة شعب يحب “الكليسة”.
من يتأمل سلوك الإنسان التاوناتي، وتاريخه، وأمثاله الشعبية، يلحظ أن مفردات “الجلوس” و”الكليسة” حاضرة في كل تفاصيل حياته اليومية.
حتى المؤسسات العمومية المكلفة بالتنمية أسمائها مقتبسة من كلمة “جلس”، المجلس الإقليمي، المجلس الجماعي، المجلس الجهوي و حتى مجلس النواب، وزيادة في أمثلة “الكليسة”، إذا عرضت على صديق فكرة مشروع أو تعاون ما، فأول ما يرد به عليك، “خلينا نديرو شي غليسة و ناقشو”..، إذا أردت ان تتخلص من أحدهم على الهاتف تجد نفسك لا شعوريا تقول له “نطلقاو ونديرو شي كليسة”، وحتى المقاهي الجيدة توصف بــ”فيها كليسة زوينا”..
بهذا المعنى، يبدو أن مفهوم “الجلوس” لم يعد مجرد وضعية جسدية في تاونات، بل تحول إلى أسلوب تفكير وثقافة جماعية، فحتى في السياسة، تدار الأمور غالبا بروح الانتظار لا بروح المبادرة، وكأننا نؤمن بأن “الكليسة” كفيلة بحل كل شيء.
قبل مدة، وفي محاولة لفهم سر تقدم بعض الأقليم، اتصلت بصديق من أبناء الإقليم، وسألته بصدق، “ما الذي ينقصنا في تاونات كي ننهض كغيرنا من الأقاليم؟” تنهد طويلا، ثم قال بجملته الشهيرة التي تختصر فلسفتنا كلها،“هاد الموضوع خسوو شي كليسة طويلة”.
من “الجلوس” إلى الحركة، دعوة لإعادة التفكير في نمطنا المحلي، قد يبدو المقال ساخرا في ظاهره، لكنه يلامس واقعا حقيقيا تعانيه تاونات منذ عقود.
فالإقليم، رغم مؤهلاته الطبيعية والبشرية والزراعية الكبيرة، ما زال يسير بخطى بطيئة نحو التنمية، الطرق الوعرة، ضعف البنية التحتية، غياب الاستثمار، وهجرة الشباب إلى المدن الكبرى أو الخارج، كلها مظاهر لثقافة جماعية تفضل الانتظار على الفعل، والمشاهدة على المشاركة.
إن تجاوز “جينات الكليسة” لا يتطلب ثورة اقتصادية بقدر ما يحتاج إلى ثورة في الوعي والسلوك، ثورة في المواطنة الحقة، إلى أن يتحول المواطن من متفرج إلى فاعل، ومن منتظر إلى مبادر، وأن تتحول “الكليسة” من لحظة راحة إلى لحظة تخطيط وعمل.
على المسؤولين، من رؤساء الجماعات إلى صناع القرار، أن ينظروا إلى تاونات بعين تنموية حقيقية، لا بعين اللقاءات والتقارير والزيارات البروتوكولية، فالإقليم لا يحتاج مزيدا من “الكليسات الرسمية”، بل يحتاج من يحول تلك الجلسات إلى مشاريع، وتلك الوعود إلى إنجازات، وتلك الخطابات إلى واقع يعيشه المواطن.
حينها فقط، يمكن لتاونات أن تنهض من جلستها الطويلة، لتقف شامخة كما يليق بتاريخها وكرم أهلها، لا “جالسة” تنتظر “كليسة” أخرى لتناقش أسباب القعود والتعثر.

تاونات خاصها شي كليسة..
التعليقات (0)
اضف تعليق